«يمثِّل «هيجل» ذُروة تطوُّر الوعي الأوروبي واكتماله قبل أن يبدأ في تحطيم نفسه بنفسه، والتخلِّي عنه لصالح الوجودية ثم ما بعد الحداثة والتفكيكية … فقد استطاع «هيجل» تحويلَ الدِّين إلى فِكر، والتثليثَ إلى جدل، والتجسدَ إلى تاريخ، والإيمانَ الخالص إلى عقلٍ مطلَق … ثم جاء الهيجليُّون الشبَّان أو اليسار الهيجلي أكثرَ جذريةً من «هيجل» وموقفه من الدِّين، ونقدوا المِثاليةَ لاكتشاف أنها أسطورة.»لا شكَّ أن «هيجل» يمثِّل نموذجًا للفيلسوف ذي المذهب الضخم الذي تعرَّض لمختلف العلوم، بدايةً من المنطق والفلسفة وحتى السياسة والتاريخ؛ ﻓ «هيجل» يُعَد «أرسطو العصر الحديث»، والهيجليُّون الشبَّان هم تلاميذه الذين ثاروا عليه ونقدوا مِثاليتَه؛ «ماكس شترنر»، و«لودفيج فيورباخ»، و«برونو باور»، و«كارل ماركس». في هذا الكتاب، يَسبر المفكِّر والفيلسوف الكبير «حسن حنفي» فِكر هؤلاء، لا بمنهج تأريخ الأفكار وسرد السِّيَر، بل بمنهج القراءة والتأويل الذي يبدأ بعرضِ الدلالة الأساسية لنصِّ المفكِّر بطريقةٍ واضحةٍ خاصة، ثم يجمع هذه الدلالاتِ معاً في صورةٍ متناسقة، وينتقل بها إلى سياقنا العربي الإسلامي. ويتطرَّق الكتاب أيضًا إلى التطوُّر التاريخي لفِكر هؤلاء الهيجليِّين الشبَّان، فيبحث في الكيفية التي انتقل بها فِكر كل فيلسوف من مرحلةٍ إلى أخرى.
حسن حنفي: مُفكِّرٌ وفَيلسُوفٌ مِصري، له العديدُ مِنَ الإسهاماتِ الفِكريةِ في تطوُّرِ الفكرِ العربيِّ الفَلسفي، وصاحبُ مشروعٍ فَلسفيٍّ مُتكامِل. وُلِدَ حسن حنفي بالقاهرةِ عامَ ١٩٣٥م، وحصَلَ على ليسانسِ الآدابِ بقِسمِ الفلسفةِ عامَ ١٩٥٦م، ثُمَّ سافَرَ إلى فرنسا على نفقتِهِ الخاصَّة، وحصَلَ على الدكتوراه في الفلسَفةِ مِن جامعةِ السوربون. رأَسَ قسمَ الفلسفةِ بكليةِ الآدابِ جامِعةِ القاهِرة، وكانَ مَحطَّ اهتمامِ العديدِ مِن الجامعاتِ العربيَّةِ والعالَميَّة؛ حيثُ درَّسَ بعدَّةِ جامِعاتٍ في المَغربِ وتونسَ والجزائرِ وألمانيا وأمريكا واليابان. انصبَّ جُلُّ اهتمامِ الدكتور حسن حنفي على قضيَّةِ «التراثِ والتَّجديد». يَنقسِمُ مشروعُهُ الأكبرُ إلى ثلاثَةِ مُستويات: يُخاطبُ الأولُ منها المُتخصِّصين، وقد حرصَ ألَّا يُغادرَ أروِقةَ الجامعاتِ والمعاهِدِ العِلمية؛ والثاني للفَلاسفةِ والمُثقَّفين، بغرضِ نشرِ الوعْيِ الفَلسفيِّ وبيانِ أثرِ المشروعِ في الثَّقافة؛ والأخيرُ للعامَّة، بغرضِ تَحويلِ المَشروعِ إلى ثقافةٍ شعبيَّةٍ سياسيَّة. للدكتور حسن حنفي العديدُ من المُؤلَّفاتِ تحتَ مظلَّةِ مَشروعِهِ «التراث والتجديد»؛ منها: «نماذج مِن الفلسفةِ المسيحيَّةِ في العصرِ الوسيط»، و«اليَسار الإسلامي»، و«مُقدمة في عِلمِ الاستغراب»، و«مِنَ العقيدةِ إلى الثَّوْرة»، و«مِنَ الفناءِ إلى البقاء». حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزةِ الدولةِ التقديريةِ في العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠٠٩م، وجائزةِ النِّيلِ فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠١٥م، وجائزةِ المُفكِّرِ الحرِّ من بولندا وتسلَّمَها مِن رئيسِ البلادِ رسميًّا. وعكف الدكتور حسن حنفي بقية حياته على كتابةِ الأجزاءِ النهائيةِ من مَشروعِهِ «التراث والتجديد» بمَكتبتِهِ التي أنشَأَها في بيتِه. رحل الدكتور حسن حنفي عن دنيانا في ٢١ أكتوبر عام ٢٠٢١ عن عمرٍ يناهز ٨٦ عامًا تاركًا خلفه إرثًا فكريًا عظيمًا ومشروعًا فلسفيًا ثريًا سيظل علامةً بارزة في تاريخ الفكر العربي الحديث.