«يُعَد مفهوم الشريعة أحدَ أكثر المفاهيم خطورةً في المجتمعات الإسلامية المعاصِرة، بسبب ما يسكنه من الغموض والالتباس، الذي جعَل من الميسور على جماعات الإسلام السياسي أن تتلاعب به من أجل حشد الجمهور وراء سَعْيها للهيمنة على المجال العام في تلك المجتمَعات.»يَخرُج «علي مبروك» في هذا الكتاب بمفهوم الشريعة من ضِيق التداوُل الأيديولوجي إلى رَحابة التناوُل المعرفي، ويكشف ما خضَع له المفهوم من تحوُّلات عبر التاريخ، ويبيِّن الدورَ الحاسم للضغوط الاجتماعية والسياسية والتاريخية في بَلوَرة هذا المفهوم. ويرى المؤلِّف أن استخدام العباسيِّين للشريعة بوصفها سلاحًا سياسيًّا أخضعوا به الجمهور، مثَّل نقطةَ بدءِ هذا التبلور لمفهوم الشريعة. ويحلِّل في هذا السياق مفهومَ الشريعة عند جماعات الإسلام السياسي في النصف الثاني من القرن العشرين، حين حوَّلوه إلى سلاحٍ سياسي يحارِبون به دولةَ ما بعد سقوط السَّلْطنة العثمانية، كما يحلِّل المؤلِّف خلْطَهم بين دلالات المفهوم في القرآن واستخداماته على مَدار العصور.
علي مبروك: مفكِّر مصري، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والفِكر العربي الحديث بجامعة القاهرة، وأحد أقطاب «مدرسة القاهرة الفلسفية» إلى جوار «حسن حنفي» و«نصر حامد أبو زيد». وُلد عام ١٩٥٨م، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وظلَّ يتدرَّج في السلك الأكاديمي إلى أن أصبح أستاذًا بها، كما انتُدِب أستاذًا مساعدًا بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، ونائبًا لمدير المعهد الدولي للدراسات القرآنية في جاكرتا. بدأ مشروعه الفكري والنقدي في رسالته للماجستير عام ١٩٨٨م، فحمَل على كاهله مُحاولةَ إحداثِ قطيعةٍ مع القراءات الأيديولوجية للتراث (لا سيما التراث الكلامي والأصولي) في مختلِف تجلِّياتها؛ إيمانًا منه بضرورةِ قراءة التراث الإسلامي معرفيًّا وتاريخيًّا في سياقاته السياسية والاجتماعية؛ ومن أجل ذلك وظَّفَ أدواتٍ منهجيةً متداخِلة من مناهجَ بحثيةٍ شتى، مثل: المنهج الأنثروبولوجي، وتحليل الخطاب، والتحليل النفسي، والمنهج البنيوي، وغيرها من المناهج. أصدَر العديدَ من المؤلَّفات، منها: «نصوص حول القرآن»، و«النبوة … من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ»، و«الإمامة والسياسة: الخطاب التاريخي في علم العقائد»، و«ما وراء تأسيس الأصول … مساهَمة في نزع أقنعة التقديس» و«الخطاب السياسي الأشعري … نحو قراءةٍ مُغايِرة»، وغيرها من المؤلَّفات. كان «مبروك» نموذجًا للمثقَّف الإيجابي؛ إذ كان كثيرَ المشارَكة في النَّدوات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية، والصالونات الثقافية، إلى أن عاجَلَته المَنِية وهو في أوْجِ نشاطه في منتصف الخمسينيات من عمره، في ٢٠ مارس عام ٢٠١٦م.