«إن الفكرة الرئيسية التي تدور حولها هذه الدراسات هي أزمة الثقة التي تَنجم عن رغبةِ كل إنسان في أن يكون شخصًا وعقلًا، في وجه الخوف المستمر من أن يكون جهازًا آليًّا. والسؤال الجوهري الذي أطرحه هو: هل يستطيع الإنسان أن يكون آلةً وذاتًا في آنٍ معًا؟»تدور فكرة هذا الكتاب حول أن الإنسان كِيان واحد يتناغم فيه السعيُ إلى الحقيقة مع التحديق في آفاق الخيال، وتنسجم فيه المعرفة العلمية المتعمِّقة مع الحساسية الشعرية المُرهَفة؛ إذ يرى المؤلِّف أن النزعة الإنسانية لا تتعارض مع العلم، وأن العلم والفن طريقتان متكاملتان يعبِّر بهما الإنسانُ الحديث عن نفسه، وتكمن عناصرُ تحقيق الوَحدة بينهما في الخيال؛ فعملية الاكتشاف في العلم تقتضي الخيالَ بقَدْر ما تقتضيه عمليةُ الإبداع في الفنون، كما أن الخيال يعمل على توسيعِ نطاق اللغة العلمية التي تتَّسم بالضِّيق، وإضافةِ معانٍ جديدة إلى مفاهيمها المتداولة. وقد عبَّر المؤلِّف عن «وحدة الإنسان» من خلال أربعة محاور — الإنسان، والطبيعة، والذات، والعقل — تؤكِّد جميعًا انسجامَ الإنسان وتوافُقه، سواء بين عناصره الداخلية، أو بينه وبين العالَم المُحيط به.
جاكوب برونوفسكي: عالِم بولندي وبريطاني موسوعي؛ فإلى جانب الرياضيات التي تخصَّص فيها وكان أحدَ أبرز علمائها، كان أيضًا عالِمًا بيولوجيًّا، وأنثروبولوجيًّا، وشاعرًا، وكاتبًا في الفنون، ولاعبَ شطرنج ماهرًا، فضلًا عن كتابته سيناريو مسلسل وثائقي يتكوَّن من ثلاثة عشر جزءًا بعنوان «صعود الرجل»، يتحدَّث عن تاريخ الحياة البشرية والجهود العلمية، أُذيع على قناة بي بي سي البريطانية عام ١٩٧٣م، كما عمل في أبحاث العمليات العسكرية لصالح وزارة الأمن الداخلي البريطاني؛ حيث طوَّر مناهجَ رياضيةً لاستراتيجية القصف لقيادة القاذفة في سلاح الجو الملكي البريطاني، وقام بالسفر إلى اليابان عَقِب الحرب لدراسةِ آثار القنبلة الذرية؛ وذلك لاهتمامه الشديد بالتطبيقات العملية للكشوف العلمية. وُلد في بولندا عام ١٩٠٨م لعائلةٍ يهودية، وتلقَّى تعليمَه في ألمانيا وإنجلترا، وحصل على منحة لدراسة الرياضيات في جامعة كامبريدج، ثم على الدكتوراه في الرياضيات من الجامعة نفسها عام ١٩٣٥م. عمل بتدريس الرياضيات في كلية هال بين عامَي ١٩٣٤م و١٩٤٢م، كما عمل في المجلس الوطني للفحم في بريطانيا في الفترة من ١٩٥٠م إلى عام ١٩٦٣م، ومنذ عام ١٩٦٣م أصبح زميلًا مقيمًا في معهد سالك للدراسات البيولوجية في سان دييغو حتى وفاته، وأستاذًا زائرًا بمعهد ساشوستس للتكنولوجيا. كما تقلَّد العديدَ من المناصب الحيوية، أبرزها مدير مجلس علم الحياة في الأمور الإنسانية التابع لمعهد سولك للدراسات البيولوجية. تنوَّعت مؤلَّفاته بين الأدب والرياضيات والأحياء والأنثروبولوجيا، ومن أبرزها: «دفاع الشاعر»، و«ليام بليك: رجل بلا قِناع»، و«الحس العام للعلم»، و«إحساس بالمستقبل»، و«السِّحر والعلم والحضارة»، و«ارتقاء الإنسان»، و«وَحْدة الإنسان»، و«العلم والقِيَم الإنسانية»، و«حوار جديد حول أنظمة الكون». تُوفِّي «برونوفسكي» في ١١ أغسطس عام ١٩٧٤م عن عُمرٍ يناهز ٦٦ عامًا.