«ليسَت المهمة الأولى للفيلسوف إيصالَ معرفةٍ موسوعية في شكلِ نسقٍ من القضايا والمفاهيم يعكس على التقريب نسقَ العالم، إنما ترمي الفلسفة إلى تحويل شخصية المرء وتعليم فن العيش؛ العيش حياة فلسفية. والعنصر الجوهري في الحياة الفلسفية ليس عنصرًا قوليًّا، بل هو عنصرٌ عملي؛ فالغاية من المبادئ الفلسفية هي تطبيق المبادئ.»ليس الفيلسوف مَن يكتب في الفلسفة فحسب، بل مَن يتَّخذها فنًّا للعيش أيضًا؛ ولذا فإن كل مَن يعيش تحت مِظلَّة الفلسفة يُعَد فيلسوفًا، حتى إن لم يكُن له إنتاجٌ فلسفي مكتوب؛ فقد كان كثير من الفلاسفة القدماء لا يدوِّنون إنتاجَهم الفكري والفلسفي، وما وصَل إلينا منهم كان من تدوين تلامذتهم. وقد عكف «بيير آدو» في هذا الكتاب على دراسة نصوص هؤلاء الفلاسفة ومذاهبهم الفلسفية — خاصةً المذهب الأفلاطوني والرُّواقي والأبيقوري — التي تضمَّنت أساليبَ العيش في كنَف الفلسفة، والتي يمكِن من خلالها التعرُّف على أهم الأفكار والرُّؤى حول قيمة الحياة، وفَهم طبيعة الوجود، وإدراك مكانة الذات الإنسانية، والنظر إلى الأشياء من منظور كوني.
بيير آدو: فيلسوفٌ فرنسي ومؤرِّخ للفلسفة القديمة. يُعَد من أهم الفلاسفة الذين نادَوا بإحياء التقليد الفلسفي القديم الذي يتَّخذ الفلسفةَ طريقةَ حياة وفنًّا للعيش وتمرينًا روحيًّا. وُلد «بيير آدو» في باريس عام ١٩٢٢م، ونشأ في ريمس نشأةً كاثوليكية صارمةً في مدرسة سان سولبيس الإكليريكية ورُسِّم كاهنًا فيها عام ١٩٤٤م، لكنه ترك الكهنوتَ عام ١٩٥٠م بعد إصدار البابا بيوس الثاني عشر رسالتَه المحافِظة المسمَّاة «الجنس البشري»، ثم تزوَّج أوَّل مرة عامَ ١٩٥٣م. انخرطَ في دراسةِ فقه اللغة والتصوُّف وحياة الآباء القديسِين، إلى أن تحوَّلت اهتماماتُه في الستينيات لتشمل الأفلاطونيةَ المحدَثة والفلسفةَ القديمة لا سيما اليونانية المتأخرة والرومانية، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون عام ١٩٦١م، ولاحقًا عُيِّن أستاذَ كرسي في تاريخ الفكر الهلنستي والروماني بالكوليج دي فرانس. حرصَ على إعادةِ تقديم الفلسفة والحكمة القديمة في جوانبها العملية، التي شغَلت حيزًا كبيرًا من اهتمام المدارس الفلسفية القديمة (لا سيما الأبيقورية والرواقية والكلبية)، وإبرازِ ما فيها من تمارينَ روحيةٍ وتجاربَ فلسفية لا يزال بإمكانها تقديمُ الكثير للإنسان المعاصر وإسعافه في دفعِ الأحزان وإعانته على السلوان وحثِّه على الاعتدال في حياته، وإنفاذ إرادته وعدم الاستسلام لغرائزه ومخاوفه. له العديدُ من المؤلَّفات في هذا المجال، نذكر منها: «القلعة الداخلية: مقدِّمة لأفكار مارك أوريل»، و«ما الفلسفة القديمة؟»، و«أفلوطين أو بساطة النظرة»، و«الفلسفة طريقة حياة: التدريبات الروحية من سقراط إلى فوكو»، و«فتجنشتين وحدود اللغة». تُوفي في أبريل عام ٢٠١٠م عن عمرٍ يناهز ثمانية وثمانين عامًا.