«لا بد، إذن، من التمييز بين «المطلَق الإلهي» الذي انفتح بوحيه على البشر (تفكيرًا وتاريخًا)، وبين فعل «الأطلقة»، بما هو آلية يسعى بها البعضُ إلى وضعِ كلِّ ما يدخل البشرُ في تركيبه على نحوٍ جوهري (من الوحي وغيره)، ضِمن مجالٍ يخرج فيه عن التحدُّد بما يخصُّ البشر (تفكيرًا وتاريخًا).»يَصوغ هذا الكتاب علاقةً جديدة مع القرآن، تقوم على أساس التعامُل معه بوصفه موضوعًا لفعلٍ معرفي؛ أيْ ساحةً معرفية مفتوحة للبشر ينتِجون فيها أفهامَهم في عالَم يتحرَّك ويتغيَّر ويتحوَّل. ويسعى الكتاب إلى الخروج من هذه العلاقة التي حكَمت تاريخَ المسلمين كلَّه في التعامُل مع القرآن منذ القرن الأول الهجري حتى الوقت الراهن، وهي علاقةٌ قائمة على التعامُل مع القرآن بوصفه موضوعًا لفعلٍ سياسي، وقد بدأت عندما استُدعي القرآنُ في الصراع الكبير بين «الإمام علي بن أبي طالب» و«معاوية بن أبي سفيان»، وما ترتَّب على ذلك من الربطِ بين السيف والقرآن، وتحوُّل القرآن إلى أداةِ إخضاع، وقِناع للسلطة؛ ومن ثَم لا تكمُن الإشكالية في البُعد الميتافيزيقي للقرآن المتمثِّل في مصدره الإلهي، ولكن في التعاطي مع هذا المصدر معزولًا عن الشَّرط الإنساني الذي يَدخل في عمليات إنتاج الدلالة والمعنى.
علي مبروك: مفكِّر مصري، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والفِكر العربي الحديث بجامعة القاهرة، وأحد أقطاب «مدرسة القاهرة الفلسفية» إلى جوار «حسن حنفي» و«نصر حامد أبو زيد». وُلد عام ١٩٥٨م، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وظلَّ يتدرَّج في السلك الأكاديمي إلى أن أصبح أستاذًا بها، كما انتُدِب أستاذًا مساعدًا بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، ونائبًا لمدير المعهد الدولي للدراسات القرآنية في جاكرتا. بدأ مشروعه الفكري والنقدي في رسالته للماجستير عام ١٩٨٨م، فحمَل على كاهله مُحاولةَ إحداثِ قطيعةٍ مع القراءات الأيديولوجية للتراث (لا سيما التراث الكلامي والأصولي) في مختلِف تجلِّياتها؛ إيمانًا منه بضرورةِ قراءة التراث الإسلامي معرفيًّا وتاريخيًّا في سياقاته السياسية والاجتماعية؛ ومن أجل ذلك وظَّفَ أدواتٍ منهجيةً متداخِلة من مناهجَ بحثيةٍ شتى، مثل: المنهج الأنثروبولوجي، وتحليل الخطاب، والتحليل النفسي، والمنهج البنيوي، وغيرها من المناهج. أصدَر العديدَ من المؤلَّفات، منها: «نصوص حول القرآن»، و«النبوة … من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ»، و«الإمامة والسياسة: الخطاب التاريخي في علم العقائد»، و«ما وراء تأسيس الأصول … مساهَمة في نزع أقنعة التقديس» و«الخطاب السياسي الأشعري … نحو قراءةٍ مُغايِرة»، وغيرها من المؤلَّفات. كان «مبروك» نموذجًا للمثقَّف الإيجابي؛ إذ كان كثيرَ المشارَكة في النَّدوات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية، والصالونات الثقافية، إلى أن عاجَلَته المَنِية وهو في أوْجِ نشاطه في منتصف الخمسينيات من عمره، في ٢٠ مارس عام ٢٠١٦م.