«ولأن المفاهيم تعاني في مصر، على العموم، من ثقل الحمولات الأيديولوجية التي يجري تحميلها بها، على النحو الذي يجعل منها أسلحةَ تقاتُل، بدل أن تكون ساحاتِ تواصُل، فإنه يلزم البدء من الضبط المعرفي لمفهوم التجديد لكيلا يتحوَّل إلى مجرد موضوع لثرثرة لن يكون لها أيُّ تأثير في الواقع.»تُعَد قضية تجديد الخطاب الديني من أبرز المسائل الفكرية المطروحة على الساحة السياسية والدينية منذ أكثر من قرنٍ ونيِّف؛ إذ كانت بدايتها مع الخديوي «إسماعيل» حين دعا مؤسسةَ الأزهر إلى قيادة حركة التجديد، وعلى الرغم من استجابتها لدعوته، فإنها ظلَّت محتفِظة بالموروث كما هو دونَ الاقتراب منه أو العمل عليه، وهو ما أفرغ التجديدَ من مضمونه؛ إذ لا معنى لتجديدٍ لا يناقش الأفكارَ وفقَ سياقِ عصرٍ جديد له أدواتُه في القراءة والنظر والتحليل. وكان لذلك تأثير كبير في تراجُع الفكر الديني وظهور العديد من الجماعات المتطرِّفة التي تتمسَّك بظاهر النص دونَ الولوج إلى جوهره. وقد تكرَّرت تلك الدعوة في مناسبات عديدة، إلا أن الاستجابة لها لم تختلف عما كانت عليه الحال إبَّان عهد الخديوي «إسماعيل»؛ ولذا فإن «علي مبروك» يحلِّل في هذا الكتاب تلك القضية، واضعًا يدَه على العثرات التي تواجهها وكيفية معالَجتها.
علي مبروك: مفكِّر مصري، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والفِكر العربي الحديث بجامعة القاهرة، وأحد أقطاب «مدرسة القاهرة الفلسفية» إلى جوار «حسن حنفي» و«نصر حامد أبو زيد». وُلد عام ١٩٥٨م، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وظلَّ يتدرَّج في السلك الأكاديمي إلى أن أصبح أستاذًا بها، كما انتُدِب أستاذًا مساعدًا بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، ونائبًا لمدير المعهد الدولي للدراسات القرآنية في جاكرتا. بدأ مشروعه الفكري والنقدي في رسالته للماجستير عام ١٩٨٨م، فحمَل على كاهله مُحاولةَ إحداثِ قطيعةٍ مع القراءات الأيديولوجية للتراث (لا سيما التراث الكلامي والأصولي) في مختلِف تجلِّياتها؛ إيمانًا منه بضرورةِ قراءة التراث الإسلامي معرفيًّا وتاريخيًّا في سياقاته السياسية والاجتماعية؛ ومن أجل ذلك وظَّفَ أدواتٍ منهجيةً متداخِلة من مناهجَ بحثيةٍ شتى، مثل: المنهج الأنثروبولوجي، وتحليل الخطاب، والتحليل النفسي، والمنهج البنيوي، وغيرها من المناهج. أصدَر العديدَ من المؤلَّفات، منها: «نصوص حول القرآن»، و«النبوة … من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ»، و«الإمامة والسياسة: الخطاب التاريخي في علم العقائد»، و«ما وراء تأسيس الأصول … مساهَمة في نزع أقنعة التقديس» و«الخطاب السياسي الأشعري … نحو قراءةٍ مُغايِرة»، وغيرها من المؤلَّفات. كان «مبروك» نموذجًا للمثقَّف الإيجابي؛ إذ كان كثيرَ المشارَكة في النَّدوات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية، والصالونات الثقافية، إلى أن عاجَلَته المَنِية وهو في أوْجِ نشاطه في منتصف الخمسينيات من عمره، في ٢٠ مارس عام ٢٠١٦م.