«لا يُمكِن الوصول إلى الوسطية إلا بالتعدُّدية الفكرية التي تقضي على أحادية الطرف والتطرُّف، والتشدُّد في التمسُّك بالرأي الواحد الذي لا رأيَ يقابله لكي يُمكِن إيجاد الوسط بينهما.»يُمثِّل «حسن حنفي» تيارَ الوسطية في الفكر العربي المعاصر؛ فلا هو جنَح إلى العلمانية بتفسيراتها المادية المجردة، ولا إلى التيار الديني بحُكمه الثيوقراطي، بل اتخذ موقفَ الوسط بين الحفاظ على الهُوِية العربية والإسلامية من ناحية، وأولويةِ العلم والعقل من ناحيةٍ أخرى، ليُشكِّل بذلك تيارًا وسطًا له فلسفتُه الخاصة ومشروعُه الفكري الذي يُفسِح المجالَ للتعدُّدية الفكرية، وراح يُنظِّر هذا التيارَ في كتُبه ومقالاته ولقاءاته التليفزيونية ومحاضراته. وهذا الكتاب عبارة عن سلسلة من المحاضَرات ألقاها المفكِّر الكبير سنة ٢٠١٤م، ركَّز فيها على الوسطية بوصفها مفهومًا له جذورُه التاريخية بدْءًا من الفلسفة اليونانية القديمة، مرورًا بالفكر الإسلامي، وحتى الفكر الحديث والمعاصر، وبيَّن كيف تأثَّرت بعضُ التيارات الدينية المعاصرة بالوسطية، مع إبراز مفهومها الاجتماعي، وأفكار التيار الذي سمَّاه «التيار الإسلامي العلماني» أو «التيار الإسلامي الحداثي».
حسن حنفي: مُفكِّرٌ وفَيلسُوفٌ مِصري، له العديدُ مِنَ الإسهاماتِ الفِكريةِ في تطوُّرِ الفكرِ العربيِّ الفَلسفي، وصاحبُ مشروعٍ فَلسفيٍّ مُتكامِل. وُلِدَ حسن حنفي بالقاهرةِ عامَ ١٩٣٥م، وحصَلَ على ليسانسِ الآدابِ بقِسمِ الفلسفةِ عامَ ١٩٥٦م، ثُمَّ سافَرَ إلى فرنسا على نفقتِهِ الخاصَّة، وحصَلَ على الدكتوراه في الفلسَفةِ مِن جامعةِ السوربون. رأَسَ قسمَ الفلسفةِ بكليةِ الآدابِ جامِعةِ القاهِرة، وكانَ مَحطَّ اهتمامِ العديدِ مِن الجامعاتِ العربيَّةِ والعالَميَّة؛ حيثُ درَّسَ بعدَّةِ جامِعاتٍ في المَغربِ وتونسَ والجزائرِ وألمانيا وأمريكا واليابان. انصبَّ جُلُّ اهتمامِ الدكتور حسن حنفي على قضيَّةِ «التراثِ والتَّجديد». يَنقسِمُ مشروعُهُ الأكبرُ إلى ثلاثَةِ مُستويات: يُخاطبُ الأولُ منها المُتخصِّصين، وقد حرصَ ألَّا يُغادرَ أروِقةَ الجامعاتِ والمعاهِدِ العِلمية؛ والثاني للفَلاسفةِ والمُثقَّفين، بغرضِ نشرِ الوعْيِ الفَلسفيِّ وبيانِ أثرِ المشروعِ في الثَّقافة؛ والأخيرُ للعامَّة، بغرضِ تَحويلِ المَشروعِ إلى ثقافةٍ شعبيَّةٍ سياسيَّة. للدكتور حسن حنفي العديدُ من المُؤلَّفاتِ تحتَ مظلَّةِ مَشروعِهِ «التراث والتجديد»؛ منها: «نماذج مِن الفلسفةِ المسيحيَّةِ في العصرِ الوسيط»، و«اليَسار الإسلامي»، و«مُقدمة في عِلمِ الاستغراب»، و«مِنَ العقيدةِ إلى الثَّوْرة»، و«مِنَ الفناءِ إلى البقاء». حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزةِ الدولةِ التقديريةِ في العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠٠٩م، وجائزةِ النِّيلِ فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠١٥م، وجائزةِ المُفكِّرِ الحرِّ من بولندا وتسلَّمَها مِن رئيسِ البلادِ رسميًّا. وعكف الدكتور حسن حنفي بقية حياته على كتابةِ الأجزاءِ النهائيةِ من مَشروعِهِ «التراث والتجديد» بمَكتبتِهِ التي أنشَأَها في بيتِه. رحل الدكتور حسن حنفي عن دنيانا في ٢١ أكتوبر عام ٢٠٢١ عن عمرٍ يناهز ٨٦ عامًا تاركًا خلفه إرثًا فكريًا عظيمًا ومشروعًا فلسفيًا ثريًا سيظل علامةً بارزة في تاريخ الفكر العربي الحديث.