«يرى سلامة موسى أن المؤلِّفين هم الذين يغيِّرون العالم. وتعريفه للمؤلِّف هو أنه الإنسان الذي لا يُتحِفنا بضجة مفتعَلة من الزخارف اللغوية المبهرَجة، وإنما هو الذي يصنع شيئًا من أجل تطوير حياتنا وتغييرها. هو الذي يُوقِظنا على معنًى جديد أو ينبِّه وعينا على فكرة جديدة.»ترك «سلامة موسى» بصمة واضحة في الفكر المصري، وأثَّر تأثيرًا كبيرًا على الأجيال التي أعقبته، ومن هؤلاء المفكِّر الكبير «غالي شكري» الذي نهل من فِكر «سلامة موسى» وسار على دَرْبه، وقد جاء هذا الكتاب بمثابة رد الجميل للأستاذ. كان «سلامة» بمثابة الصرخة التي دفعَت المشروع الوطني نحو الصدارة في ظل الاهتمام بالمشروع القومي والدعوة إلى الجامعة الإسلامية، وقد تبلور مشروعه في عدة محاور، لعل أبرزها الثورةُ على الماضي والقديم والواقع المصري، التي كانت الخطوةَ الأولى في سبيل مشروعه التنويري؛ ورفضُه النظامَ الرأسمالي لصالح النظام الاشتراكي والعدالة الاجتماعية؛ والإيمانُ بنظرية التطوُّر؛ والإعلاءُ من قِيمة العلم لتصبح له الكلمة العليا. يتناول هذا الكتاب — بصورة مبسَّطة وعميقة في آنٍ واحد — مشروعَ «سلامة موسى» والمناخَ الفكري الذي كان سائدًا آنذاك، وقد اعتمد «شكري» فيه على كتابات «موسى» يستقي منها أفكاره ويرد بها على منتقِديه.
غالي شكري: مفكِّر وناقد أدبي بارز، وأحد روَّاد الفكر الاشتراكي في الستينيات، اعتُقِل في زمن «عبد الناصر»، ونال درجةَ الدكتوراه من جامعة السوربون تحتَ إشراف المستشرِق الفرنسي الشهير «جاك بيرك». وُلِد الدكتور «غالي شكري» بمحافظة المنوفية لعائلةٍ قبطية تَرجع أصولها إلى صعيد مصر، والتحق بمدرسةٍ إنجليزية تابعة للإرساليَّات التبشيرية. حفظ القرآنَ الكريم في سِن الطفولة وتمكَّنَ من تجويده، وأتقَن اللغةَ العربية والثقافة الإسلامية بصورةٍ فريدة، حتى إنه كان يُلقي خُطَب المولد النبوي والمناسَبات الدينية الإسلامية. التَحق بمدرسة الزراعة، ثم عمل مدرسًا بإحدى مدارس القاهرة، وبدأ في ترجمةِ القصص ونشرها في مجلة «قصة». تشكَّلَ فِكره بعد انتقاله إلى القاهرة لاستكمال دراسته، فتبنَّى الفِكر اليساري وصار عضوًا في الحركة اليسارية المصرية، واعتُقِل عام ١٩٦٠م، ثم طُرِد من الجامعة في عهد «السادات» فسافَر إلى لبنان؛ حيث مكَث بها ثلاثَ سنواتٍ ونصف سنة إلى أن بدأت الحربُ الأهلية اللبنانية، فسافَر إلى باريس حيث أقام فيها ١٢ عامًا استغلَّها في دراسة الدكتوراه عن موضوع «النهضة والسقوط في الفِكر المصري الحديث»، كما سافَر إلى تونس حيث عمل بإحدى جامعاتها، ثم عاد إلى القاهرة وتولَّى رئاسةَ تحرير مجلة «القاهرة». للدكتور «غالي شكري» الكثير من المؤلَّفات الفِكرية والنقدية، من بينها: «سلامة موسى وأزمة الضمير العربي»، و«أزمة الجنس في القصة العربية»، و«المنتمي: دراسة في أدب نجيب محفوظ»، و«ثورة المعتزل: دراسة في أدب توفيق الحكيم»، وغيرها من الأعمال المتميِّزة التي أثرى بها المكتبةَ العربية. كما نال العديدَ من الجوائز، لعل أبرزَها جائزةُ الدولة التقديرية في الآداب عام ١٩٩٦م. رحَل الدكتور « غالي شكري» عن دُنيانا عام ١٩٩٨م عن عمرٍ يناهز ٦٣ عامًا بعد حياةٍ حافلة بالإبداع والنِّضال.