«وإذا كانت الهيمنة في الثقافة قد تحقَّقت كليًّا لذلك الخطاب الذي دشَّنه «الشافعي» (في الفقه) عند نهاية المائة الثانية، وراح «الأشعري» يكرِّس هيمنتَه (في العقيدة) بعدَ ما يربو على القرن بقليل … فإن ذلك يعني أن رصدًا لمسار التقديس وتفكيكًا لآليات إنتاجه وطرائق اشتغاله في الثقافة، لا يَقبل التحقُّق إلا من داخل هذا الخطاب لا من خارجه.»كيف تحوَّل الإنساني إلى مقدَّس في الثقافة العربية والإسلامية؟ وكيف هيمنَت مركزية النقل على مركزية العقل؟ بل كيف تبلورَت آليات التقديس والتقليد والاتِّباع التي يعاني منها الخطاب العربي الإسلامي عبر تاريخه الطويل؟ يجيب هذا الكتاب عن هذه الأسئلة، ويحلِّل دورَ كلٍّ من «الشافعي» «والأشعري» باعتبارهما مؤسِّسَين لعِلمَي أصول الفقه، والدين، والدورَ الإبستمولوجي الحاسم الذي لعبه كلٌّ منهما في تثبيت آلية التفكير في النص القرآني وترسيخها، وما ترتَّب على ذلك من تشكيل العقل المنتِج للمعرفة، وتعامُله مع النص القرآني ليس بصفته نقطةَ بدء للوعي ينطلق منها مستوعِبًا ومتجاوِزًا إياها إلى ما بعدها، بل بصفته واقعةً نهائية يجد نفسَه في مواجَهتها غيرَ قادر إلا على تكرارها والانصياع لها، وما ينطوي على ذلك من إهدار المُمكِنات الكامنة في النص.
علي مبروك: مفكِّر مصري، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والفِكر العربي الحديث بجامعة القاهرة، وأحد أقطاب «مدرسة القاهرة الفلسفية» إلى جوار «حسن حنفي» و«نصر حامد أبو زيد». وُلد عام ١٩٥٨م، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وظلَّ يتدرَّج في السلك الأكاديمي إلى أن أصبح أستاذًا بها، كما انتُدِب أستاذًا مساعدًا بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، ونائبًا لمدير المعهد الدولي للدراسات القرآنية في جاكرتا. بدأ مشروعه الفكري والنقدي في رسالته للماجستير عام ١٩٨٨م، فحمَل على كاهله مُحاولةَ إحداثِ قطيعةٍ مع القراءات الأيديولوجية للتراث (لا سيما التراث الكلامي والأصولي) في مختلِف تجلِّياتها؛ إيمانًا منه بضرورةِ قراءة التراث الإسلامي معرفيًّا وتاريخيًّا في سياقاته السياسية والاجتماعية؛ ومن أجل ذلك وظَّفَ أدواتٍ منهجيةً متداخِلة من مناهجَ بحثيةٍ شتى، مثل: المنهج الأنثروبولوجي، وتحليل الخطاب، والتحليل النفسي، والمنهج البنيوي، وغيرها من المناهج. أصدَر العديدَ من المؤلَّفات، منها: «نصوص حول القرآن»، و«النبوة … من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ»، و«الإمامة والسياسة: الخطاب التاريخي في علم العقائد»، و«ما وراء تأسيس الأصول … مساهَمة في نزع أقنعة التقديس» و«الخطاب السياسي الأشعري … نحو قراءةٍ مُغايِرة»، وغيرها من المؤلَّفات. كان «مبروك» نموذجًا للمثقَّف الإيجابي؛ إذ كان كثيرَ المشارَكة في النَّدوات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية، والصالونات الثقافية، إلى أن عاجَلَته المَنِية وهو في أوْجِ نشاطه في منتصف الخمسينيات من عمره، في ٢٠ مارس عام ٢٠١٦م.