«المجاز إذن لا يكون في الألقاب المحضة — أسماء الأعلام — لأنها تُنبِئ ولا تعني، تُشير ولا تدل، وإنما يكون في الصفات وأسماء المعاني. وإذا كانت هذه الأسماء نفسُها لا تُطلَق إلا بعد أن تُعقل المعاني، فمن الطبيعي أن يكون نقلُها من مجالٍ إلى مجال، أو من الشاهد إلى الغائب، مرتبطًا بوجودِ علاقةٍ بين معنى الاسم وبين ما يُنقل إليه على سبيل المجاز أو الاستعارة.»كان للقرآن أثرٌ كبير في نشأة علم البلاغة — وخاصةً المجاز باعتباره أحدَ مباحثِ علم البلاغة — وتحديد ماهيته ووظيفته في التعبير البليغ. وقد كان للمُعتزلة أثرٌ مهم في إنضاج مفهوم المجاز من خلال سَعيهم الدائب لنفي التصوُّرات الشعبية عن الذات الإلهية وعن أفعالها؛ ومن ثَم سعى «نصر حامد أبو زيد» في هذا الكتاب إلى الكشف عن تلك العلاقة الوثيقة بين الفكر الاعتزالي وبحث المجاز في القرآن، معتمِدًا على المصادر الأصلية للفكر الاعتزالي، وخاصةً مؤلَّفات القاضي «عبد الجبار الأسد آبادي» المُتوفَّى في بدايات القرن الخامس الهجري، وعلى إبراز العلاقة بين المعرفة والدلالة اللغوية عند المُعتزلة، والبحثِ في أثر الفكر الاعتزالي في صوْغِ اللغة بين أنواع الدلالة العقلية، مع الإشارة إلى التطوُّر التاريخي لمفهوم الانتقال في الدلالة منذ المراحل الأولى لنشأة علم التفسير، وبيان العلاقة بين المفاهيم البلاغية وبين تأويل النص القرآني على المستويَين المعرفي والديني.
نصر حامد أبو زيد: كاتب ومفكِّر وباحث أكاديمي مصري، متخصِّص في الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، نال عددًا من المِنَح والجوائز، أبرزُها وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية تونس عام ١٩٩٣م، وجائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان عام ١٩٩٦م. وُلد عام ١٩٤٣م في إحدى قرى طنطا بمحافظة الغربية. حصل على شهادة الدبلوم من المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عامَ ١٩٦٠م، ثم عمل في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية لمدة عشرة أعوام، وساعَده عملُه كثيرًا في توفيرِ نفقات تعليمه؛ حيث قرَّر استئناف دراسته، فالتحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وتخصَّص في دارسة اللغة العربية وآدابها، وتخرَّج في الجامعة عام ١٩٧٢م حاصلًا على درجة الليسانس، وفي عام ١٩٧٦م نال درجةَ الماجستير في الدراسات الإسلامية، ثم نال درجةَ الدكتوراه في التخصُّص نفسه عام ١٩٧٩م. عُيِّن فور تخرُّجه مُعيدًا في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة، وتدرَّج في مناصبه الأكاديمية إلى أن وصل إلى درجة أستاذ بالقسم، كما عُيِّن أستاذًا بجامعة ليدن بهولندا، وأستاذًا زائرًا بجامعة أوساكا للُّغات الأجنبية باليابان. تعمَّق في دراسة النص القرآني وتأويله، وقد أثارت بعضُ أفكاره الدينية التي طرَحها الكثيرَ من الجدل؛ وهو الأمر الذي وصل إلى اتِّهامه بالرِّدَّة والإلحاد، ورُفِعت دعوى قضائية ضده في منتصف تسعينيات القرن الماضي بغرض تفريقه عن زوجته «ابتهال يونس» — أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة — وَفقًا لقانون الحسبة وأُصدِر الحكم عليه بذلك، فقرَّر الزوجان حينها مغادَرةَ البلاد والإقامة في هولندا، لكنَّه عاد مرةً أخرى إلى مصر قبل مفارَقة روحه الحياة بفترة قصيرة. من أعماله الفكرية البارزة: «فلسفة التأويل»، و«مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن»، و«نقد الخطاب الديني»، و«الخطاب والتأويل»، و«هكذا تكلَّم ابن عربي»، و«إشكاليات القراءة وآليات التأويل». ومن ترجماته «البوشيدو: المكونات التقليدية للثقافة اليابانية»، هذا فضلًا عن أبحاثه ومقالاته المتعدِّدة. تُوفِّي «نصر حامد أبو زيد» في عام ٢٠١٠م، ودُفِن في مسقط رأسه بطنطا، تاركًا إنتاجًا علميًّا وفيرًا جديرًا بالتقدير.