«جاء وقتٌ واعتبر العالَمُ نفسَه خارج التراث، مُتفرجًا عليه، إما بدعوى الحِياد والموضوعية والتاريخية والبُعد عن الأيديولوجيا والمواقف الشخصية، أو خوفًا من أخذ موقف في عصر يُحاصَر فيه العالَم بين المِطرقة والسندان.»في هذا الجزء الأول من كتاب «من النص إلى الواقع» يرصد المؤلِّفُ النصَّ الماضي تكوينًا وبِنية، مُفسِحًا مجالًا للعقل المُسلِم، بغرض التعرُّف على الظروف التي وُلد فيها النص، بالإضافة إلى تحليلِ نصوص الأصوليين السابقين وتفكيكها، من بداياتها وحتى الآن، آخذًا في الاعتبار تطوُّر النصوص زمانيًّا، عبر تَتبُّع المسار التاريخي لعلم أصول الفقه وتحوُّلاته من كتاب «الرسالة» ﻟ «الشافعي» في القرن الثالث الهجري، وحتى «إرشاد الفحول» ﻟ «الشوكاني» في القرن الثالث عشر الهجري، مُؤكِّدًا على أن لكل متنٍ سببَ تأليفٍ في الواقع الذي ظهر فيه. بعدما أعاد الدكتور «حسن حنفي» بناءَ علمِ أصول الدين بكتابه «من العقيدة إلى الثورة»، وعلومِ الحكمة بكتابه «من النقل إلى الإبداع»، يأتي «من النص إلى الواقع» ليُعيد بناءَ علمِ أصول الفقه.
حسن حنفي: مُفكِّرٌ وفَيلسُوفٌ مِصري، له العديدُ مِنَ الإسهاماتِ الفِكريةِ في تطوُّرِ الفكرِ العربيِّ الفَلسفي، وصاحبُ مشروعٍ فَلسفيٍّ مُتكامِل. وُلِدَ حسن حنفي بالقاهرةِ عامَ ١٩٣٥م، وحصَلَ على ليسانسِ الآدابِ بقِسمِ الفلسفةِ عامَ ١٩٥٦م، ثُمَّ سافَرَ إلى فرنسا على نفقتِهِ الخاصَّة، وحصَلَ على الدكتوراه في الفلسَفةِ مِن جامعةِ السوربون. رأَسَ قسمَ الفلسفةِ بكليةِ الآدابِ جامِعةِ القاهِرة، وكانَ مَحطَّ اهتمامِ العديدِ مِن الجامعاتِ العربيَّةِ والعالَميَّة؛ حيثُ درَّسَ بعدَّةِ جامِعاتٍ في المَغربِ وتونسَ والجزائرِ وألمانيا وأمريكا واليابان. انصبَّ جُلُّ اهتمامِ الدكتور حسن حنفي على قضيَّةِ «التراثِ والتَّجديد». يَنقسِمُ مشروعُهُ الأكبرُ إلى ثلاثَةِ مُستويات: يُخاطبُ الأولُ منها المُتخصِّصين، وقد حرصَ ألَّا يُغادرَ أروِقةَ الجامعاتِ والمعاهِدِ العِلمية؛ والثاني للفَلاسفةِ والمُثقَّفين، بغرضِ نشرِ الوعْيِ الفَلسفيِّ وبيانِ أثرِ المشروعِ في الثَّقافة؛ والأخيرُ للعامَّة، بغرضِ تَحويلِ المَشروعِ إلى ثقافةٍ شعبيَّةٍ سياسيَّة. للدكتور حسن حنفي العديدُ من المُؤلَّفاتِ تحتَ مظلَّةِ مَشروعِهِ «التراث والتجديد»؛ منها: «نماذج مِن الفلسفةِ المسيحيَّةِ في العصرِ الوسيط»، و«اليَسار الإسلامي»، و«مُقدمة في عِلمِ الاستغراب»، و«مِنَ العقيدةِ إلى الثَّوْرة»، و«مِنَ الفناءِ إلى البقاء». حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزةِ الدولةِ التقديريةِ في العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠٠٩م، وجائزةِ النِّيلِ فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠١٥م، وجائزةِ المُفكِّرِ الحرِّ من بولندا وتسلَّمَها مِن رئيسِ البلادِ رسميًّا. وعكف الدكتور حسن حنفي بقية حياته على كتابةِ الأجزاءِ النهائيةِ من مَشروعِهِ «التراث والتجديد» بمَكتبتِهِ التي أنشَأَها في بيتِه. رحل الدكتور حسن حنفي عن دنيانا في ٢١ أكتوبر عام ٢٠٢١ عن عمرٍ يناهز ٨٦ عامًا تاركًا خلفه إرثًا فكريًا عظيمًا ومشروعًا فلسفيًا ثريًا سيظل علامةً بارزة في تاريخ الفكر العربي الحديث.