«إذا كان البناء الإنساني العام للنبوَّة قد تكشَّف عن أصلها «العياني»، فإنه يبدو وكأنَّ بناءها العقائدي الخاص لا يتكشَّف إلا عن مظهرها «المجرد». فبينما النبوَّة في الأول «حوار» بين «الإلهي» و«الإنساني»، فإنها تبدو في الثاني خطابًا «إلهيًّا» غاب شرطُه الإنساني في الأغلب.»تنطلق فكرةُ «النبوَّة» في معناها التقليدي من «الإلهي»، وتنتهي إلى «الإنساني»؛ غير أنها من خلال النسق المعرفي الأيديولوجي للفِرَق الكلامية الإسلامية، قد استحالَت إلى إحدى أهمِّ نقاط الخلاف بين هذه الفِرَق. ومن هذا المنطلَق يُحاول المؤلِّف في هذا البحث أن يرصد أولًا البناء الأنثروبولوجي العام للنبوَّة، من خلال اللغة والتاريخ؛ وثانيًا أن يرصد البناء العَقَدي الخاص بالنبوَّة، من خلال البحث في نظرية «الإمام» الشيعية — ويشمل ذلك إنكارَ فكرة النبوَّة — ثم دراسة معنى النبوَّة عند الأشاعرة، وقراءة «لا شعور» النسق الأشعري تجاه النبوَّة، وقراءة المعتزلة قراءةً تهدف إلى التطوير والإكمال، كلُّ ذلك عبر خطوطِ تماسٍّ عريضة تربط بين التاريخي والإنساني.
علي مبروك: مفكِّر مصري، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والفِكر العربي الحديث بجامعة القاهرة، وأحد أقطاب «مدرسة القاهرة الفلسفية» إلى جوار «حسن حنفي» و«نصر حامد أبو زيد». وُلد عام ١٩٥٨م، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وظلَّ يتدرَّج في السلك الأكاديمي إلى أن أصبح أستاذًا بها، كما انتُدِب أستاذًا مساعدًا بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، ونائبًا لمدير المعهد الدولي للدراسات القرآنية في جاكرتا. بدأ مشروعه الفكري والنقدي في رسالته للماجستير عام ١٩٨٨م، فحمَل على كاهله مُحاولةَ إحداثِ قطيعةٍ مع القراءات الأيديولوجية للتراث (لا سيما التراث الكلامي والأصولي) في مختلِف تجلِّياتها؛ إيمانًا منه بضرورةِ قراءة التراث الإسلامي معرفيًّا وتاريخيًّا في سياقاته السياسية والاجتماعية؛ ومن أجل ذلك وظَّفَ أدواتٍ منهجيةً متداخِلة من مناهجَ بحثيةٍ شتى، مثل: المنهج الأنثروبولوجي، وتحليل الخطاب، والتحليل النفسي، والمنهج البنيوي، وغيرها من المناهج. أصدَر العديدَ من المؤلَّفات، منها: «نصوص حول القرآن»، و«النبوة … من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ»، و«الإمامة والسياسة: الخطاب التاريخي في علم العقائد»، و«ما وراء تأسيس الأصول … مساهَمة في نزع أقنعة التقديس» و«الخطاب السياسي الأشعري … نحو قراءةٍ مُغايِرة»، وغيرها من المؤلَّفات. كان «مبروك» نموذجًا للمثقَّف الإيجابي؛ إذ كان كثيرَ المشارَكة في النَّدوات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية، والصالونات الثقافية، إلى أن عاجَلَته المَنِية وهو في أوْجِ نشاطه في منتصف الخمسينيات من عمره، في ٢٠ مارس عام ٢٠١٦م.