أيُّهما دفَع الفِكر الديني للنشوء؛ أهو التأمُّل في الكون ومحرِّكه، أم الخوف من هذه القوة الخفيَّة والسعي لاتِّقاء شرِّها واستجداء خيرها؟ وهل كان الإنسان بحاجةٍ إلى وجودِ إلهٍ يلوذ به؟ أيًّا كان ما دفع الإنسانَ إلى التفكير في أمر حياته ومَغزاها، فإن تفكيره ارتقى مع تمدُّنه، وتَغيَّر من البسيط إلى المعقَّد؛ فارتكَنَ إلى الروح مُعتبرًا إياها أساسًا للحياة وسرًّا لها، ومع نضوج فكره أكثر اتخذ من «الطوطم» حاميًا له، ومنه أتى «التابو» المُحرَّم. وهكذا أيضًا بدأ الفكر الديني اليهودي، ولكنه ارتقى إلى ما هو أكثر من ذلك حينما أدرَك وجودَ إلهٍ واحدٍ للكون (يهوه)، ولكن هذا لم يحرِّره تمامًا من الأفكار القديمة كالأساطير والسِّحر والقرابين.
عصام الدين حفني ناصف: أحد روَّاد الحركة الوطنية المصرية في مطلع القرن العشرين، وهو نجل العلَّامة والمشرِّع الفكري واللغوي «حفني ناصف»، وشقيق الأديبة الكبيرة «ملَك حفني ناصف» المعروفة ﺑ «باحثة البادية». نشأ «عصام الدين» في كنَف والده، وهو ما ساعَده على الدخول إلى عالم الثقافة والأدب من ناحية، والعمل الوطني من ناحيةٍ أخرى، فانغمس في العمل الثوري؛ إذ شارَك في ثورة ١٩١٩م، وانضمَّ إلى «حزب الوفد»، لكنه انتقد مواقف الوفد المصري بزعامة «سعد زغلول»، واتهمه بالمساوَمة على القضية الوطنية، وعقب ذلك الحدث انتقل من «حزب الوفد» إلى «الحزب الوطني» الذي أسَّسه «مصطفى كامل»، ثم سرعان ما ترك هذا الحزب؛ إذ رأى أن مواقفَه تحكمها نزعةٌ ثورية. كان «عصام الدين» متبنِّيًا الأفكار الاشتراكية، إلا أنه اعترض على تأسيس «الحزب الاشتراكي» في مصر؛ لأنها في هذه المرحلة بحاجة إلى تجميع القوى من كل التيارات. لكنه كان نصيرًا للشيوعيين عندما دخلوا السجون، وأسَّس «جمعية الدفاع عن السجناء الشيوعيين والوطنيين». دخل السجن عدة مرات بسبب نزعته الثورية؛ فقد وُجِّهت إليه تهمة طبع منشورات تُحرِّض الناس على كراهية الحكومة والازدراء منها عام ١٩١٩م، وحُكِم عليه بالسجن ثمانية أشهر، ثم تكرَّر دخوله السجن في مناسبات مختلفة. قدَّم «عصام الدين حفني ناصف» للمكتبة العربية العديدَ من الكتب المهمة، أبرزها: «اليهودية في العقيدة والتاريخ»، و«اليهودية بين الأسطورة والتاريخية»، و«محنة التوراة على أيدي اليهود»، و«المسيح في مفهوم معاصر»، و«سيرة لينين»، و«نظرية التطور»، و«الأسطورة والوعي: قابيل وهابيل، إبراهيم، لوط، يوسف، داود».