«وعندما يقول دريدا إن الفلسفة منذ كانط صارت واعية بتحمُّل مسئوليتها عن خطابها، فقد كان يلمِّح إلى إعادة فحص المألوف تلك. وذلكم سببٌ من أسباب انجذابه إلى مالارمه، «الشاعر النموذجي»، الذي استثمر كلَّ لفتةِ قراءةٍ وكتابة في المحتوى النصي، بما فيها شقُّ الصفحة السليمة بسكين.»هذا الكُتيب هو في الأصل مقدِّمة شارحة وضعَتها الناقدة الأمريكية «جاياتري سبيفاك» لترجمتها الإنجليزية لكتاب «دريدا» المعنون ﺑ «في علم أنساق الكتابة»، والمعروف اختصارًا باسم «الجراماتولوجي». تناولَت «سبيفاك» في هذه المقدِّمة أسلافَ التفكيك: «نيتشه»، و«فرويد»، و«هوسرل»، و«هيدجر»، كما تحدَّثَت عن «هيجل» وإشكالية المقدِّمة عنده، بالإضافة إلى آخَرين رأى «دريدا» أن مسلَّمات الميتافيزيقا الغربية تتركَّز في أعمالهم بطريقةٍ قلِقة؛ فتتعرَّى بِنيتها الاختلافية دون قصد، ودون استبصارِ احتمالِ تفكُّكها الكامن. كما تُبلوِر «سبيفاك» حركةَ كلمات «دريدا»، مثل الاختلاف المُرجِئ والأثَر والهايمن وغيرها، حتى تصِل إلى بَلْورة مفهوم التفكيك.
جاياتري سبيفاك: ناشِطة في الحركات الاجتماعية النسوية، ومُنظِّرة وناقِدة أدبية أمريكية من أصول هندية، وتُعَد واحدةً من أبرز الشخصيات المؤثِّرة في العالَم في مجال النقد الحضاري والأدب. وُلِدت «جاياتري شاكرافورتي سبيفاك» عامَ ١٩٤٢م بكلكتا بالهند. درست في مدرسة أبرشية سانت جون الثانوية العليا للبنات، ثم التحقَت بكلية بريزيدينسي بجامعة كلكتا وتخرَّجت فيها عام ١٩٥٩م. وبعد عامَين بدأت دراستَها العليا بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة كورنيل، ثم حوَّلَت دراستها إلى الأدب المقارن بالجامعة نفسها، وكانت رسالتها للماجستير تدور حول تصوير البراءة في شِعر «وردزوث» مع «مير هوارد أبرامز». في عام ١٩٦٣م، التحقَت بكلية جيرتون بجامعة كامبريدج حيث استكمَلَت دراستها العليا، وكان موضوعُ أطروحتها للدكتوراه حولَ حياةِ «ويليام بتلر بيتس» وشعره. عملت «سبيفاك» فورَ تخرُّجها في تدريس اللغة الإنجليزية لمدة أربعين ساعة في الأسبوع، وأصبحَت في عام ١٩٦٥م أستاذةً مساعِدة بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة آيوا الأمريكية، وفي عام ١٩٧٤م حصلت على شهادة الماجستير من قسم الأدب المقارن بالجامعة نفسها، وبعد أربعِ سنواتٍ رُقِّيت إلى درجة أستاذ بالقسم، كما أصبحَت أستاذة للعلوم الإنسانية الوطنية في جامعة شيكاغو، وعُيِّنت أستاذةً للُّغة الإنجليزية في عام ١٩٧٨م بجامعة تكساس في أوستن، وفي عام ١٩٨٢م عُيِّنت أستاذةً للونجستريت في اللغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة إيموري، وأصبحت أولَ أستاذة للُّغة الإنجليزية في جامعة بيتسبرج، وفي عام ١٩٩١م أصبحَت عضوًا في هيئة التدريس بجامعة كولومبيا بنيويورك بصفتها أستاذةً لمؤسَّسة أفالون في العلوم الإنسانية، ومنذ عام ٢٠٠٧م حتى الآن تَعمل أستاذةً في العلوم الإنسانية بالجامعة نفسها. لديها العديدُ من المُؤلَّفات والترجمات النقدية، نذكر منها: «يجب أن أُعِيد صنع نفسي: حياة وشِعر ويليام بتلر بيتس»، و«في عوالم أخرى: مقالات في السياسة الثقافية»، و«التفكير في الحرية الأكاديمية في مرحلة ما بعد الاستعمار»، وترجمَت رواية «الخيال»، و«موسم في الكونغو»، هذا فضلًا عن العديد من المقالات. حصلت «سبيفاك» على جوائزَ قيِّمةٍ في مجال الترجمة والأدب المقارن، وهي: جائزة الترجمة إلى الإنجليزية من الأكاديمية الوطنية للآداب في الهند لعام ١٩٩٧م، وجائزة كيوتو للفنون والفلسفة لعام ٢٠١٢م، وفي العام التالي نالت جائزة بادما بوشان وهي ثالث أعلى الجوائز بالهند.