«القرآن في مثل هذا التصوُّر مُوازٍ للوجود، ومُوازٍ للإنسان في نفس الوقت، وهو — مثل الوجود والإنسان — له جانبان: جانبٌ باطن كلي هو جمعيَّته من حيث هو قرآن نزَل على قلب النبي وما زال ينزل متجدِّدًا على قلوب العارفين، وجانبٌ ظاهر من حيث تِلاوته باللسان وتحويله إلى أصوات وحروف منطوقة.»يقدِّم «نصر حامد أبو زيد» في هذا الكتاب دراسةً مستفيضة لرؤية النص القرآني وتأويله لدى «ابن عربي»، متناوِلًا الجوانبَ الوجودية والمعرفية لفلسفته عبر ثلاثة محاور: يمثِّل المحور الأول التصوُّرَ الوجودي عند «ابن عربي»، وهو التصوُّر الذي يقوم على ثُنائية الظاهر والباطن؛ ظاهر حسِّي ملموس، وباطن روحي عميق. أمَّا المحور الثاني فيختصُّ بتصوُّر «ابن عربي» للعلاقة بين الإنسان والوجود، وتفرُّد الإنسان بالقدرة على الوُلوج إلى أعماق الوجود الباطني. وأمَّا المحور الثالث فيتعلَّق بفَهم «ابن عربي» لماهية النص القرآني وعلاقته بالوجود؛ إذ يرى أن القرآن هو الوجود المتجلِّي من خلال اللغة؛ وجود له ظاهر وباطن، ولغة لها مستوياتٌ ومَراتبُ تماثِل مستويات الوجود ومَراتبه.
نصر حامد أبو زيد: كاتب ومفكِّر وباحث أكاديمي مصري، متخصِّص في الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، نال عددًا من المِنَح والجوائز، أبرزُها وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية تونس عام ١٩٩٣م، وجائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان عام ١٩٩٦م. وُلد عام ١٩٤٣م في إحدى قرى طنطا بمحافظة الغربية. حصل على شهادة الدبلوم من المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عامَ ١٩٦٠م، ثم عمل في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية لمدة عشرة أعوام، وساعَده عملُه كثيرًا في توفيرِ نفقات تعليمه؛ حيث قرَّر استئناف دراسته، فالتحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وتخصَّص في دارسة اللغة العربية وآدابها، وتخرَّج في الجامعة عام ١٩٧٢م حاصلًا على درجة الليسانس، وفي عام ١٩٧٦م نال درجةَ الماجستير في الدراسات الإسلامية، ثم نال درجةَ الدكتوراه في التخصُّص نفسه عام ١٩٧٩م. عُيِّن فور تخرُّجه مُعيدًا في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة، وتدرَّج في مناصبه الأكاديمية إلى أن وصل إلى درجة أستاذ بالقسم، كما عُيِّن أستاذًا بجامعة ليدن بهولندا، وأستاذًا زائرًا بجامعة أوساكا للُّغات الأجنبية باليابان. تعمَّق في دراسة النص القرآني وتأويله، وقد أثارت بعضُ أفكاره الدينية التي طرَحها الكثيرَ من الجدل؛ وهو الأمر الذي وصل إلى اتِّهامه بالرِّدَّة والإلحاد، ورُفِعت دعوى قضائية ضده في منتصف تسعينيات القرن الماضي بغرض تفريقه عن زوجته «ابتهال يونس» — أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة — وَفقًا لقانون الحسبة وأُصدِر الحكم عليه بذلك، فقرَّر الزوجان حينها مغادَرةَ البلاد والإقامة في هولندا، لكنَّه عاد مرةً أخرى إلى مصر قبل مفارَقة روحه الحياة بفترة قصيرة. من أعماله الفكرية البارزة: «فلسفة التأويل»، و«مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن»، و«نقد الخطاب الديني»، و«الخطاب والتأويل»، و«هكذا تكلَّم ابن عربي»، و«إشكاليات القراءة وآليات التأويل». ومن ترجماته «البوشيدو: المكونات التقليدية للثقافة اليابانية»، هذا فضلًا عن أبحاثه ومقالاته المتعدِّدة. تُوفِّي «نصر حامد أبو زيد» في عام ٢٠١٠م، ودُفِن في مسقط رأسه بطنطا، تاركًا إنتاجًا علميًّا وفيرًا جديرًا بالتقدير.