«أنا أمُّ الأشياء جميعًا، سيدةُ العناصر وبادئة العوالم، حاكمةُ ما في السماوات من فوق وما في الجحيم من تحت، مركز القوة الربانية. أنا الحقيقةُ الكامنة وراء الآلهة والإلهات، عندي يجتمعون في شكلٍ واحد وهيئة واحدة. بيدي أقدارُ أجرام السماء وريح البحر وصمت الجحيم. يعبدني العالَم بطرقٍ شتَّى، وتحت أسماءٍ شتَّى، أما اسمي الحقيقي فهو إيزيس، به تَوجَّهوا إليَّ بالدعاء.»يتجوَّل «فراس السواح» في التاريخ الإنساني والميثولوجيا متنقِّلًا بين الكتب المقدَّسة حينًا، وبين النصوص المنقوشة على جدران المعابد أحيانًا، في محاوَلةٍ للبحث عن الألوهة المؤنثة وتطوُّرها عبر التاريخ، ليكشف لنا عن الصورةِ الأولى للإله التي كانت في شكلها الأنثوي، وارتباطِها بالثورة النيوليتية واكتشاف الزراعة وتدجين الماشية، وكيف كانت بلاد الرافدَين هي صاحبة الانطلاقة الحضارية الأولى، وكيف أشرَق نورُها على المناطق الأخرى التي شَهِدت بزوغَ الحضارات منذ فجر التاريخ، مثل مصر والهند واليونان، وكيف نقلت إليهم فكرةَ الإلهة الأم التي أخذَت أسماءً مختلفة تبعًا لاختلاف موطنها، مثل «أفروديت» عند الإغريق، و«إيزيس» عند المصريين، وصولًا إلى «مريم العذراء». كما يُناقِش تحوُّل المجتمع الأمومي إلى مجتمعٍ ذكوري، وما تبعه من سيطرة الإله الذَّكَر في المعتقَدات؛ بدايةً من ظهوره ابنًا للإلهة، وصولًا إلى الإله الأول.
فراس السواح: مفكِّرٌ لامع في سماء ميثولوجيا الشرق، ومؤرِّخٌ بارز في تاريخ الأديان، وفيلسوفٌ مُغامِر، وأحد أبرز المفكِّرين العرب الذين أبحروا خارج النَّسَق الديني النمطي، وقدَّم رؤيةً مُغايِرة عما هو سائدٌ من أفكار عقائدية. وُلِد في حمص عام ١٩٤١م لعائلةٍ حموية أزهرية، وعاش في فضاءٍ تنويري أتاح له أن يختار طريقَه بنفسه؛ فوالده الكاتب والصحفي «أحمد السواح»، رئيس تحرير جريدة «الفجر» السورية، وجَدُّه «نورس السواح» الذي كان شيخًا أزهريًّا درس علومَ الدين بالجامع الأزهر. درس «فراس» الاقتصادَ في جامعة دمشق، وتخرَّجَ منها عام ١٩٦٥م، ثم انتسب إلى قسم الفلسفة، ولكنه لم يُكمِل دراستَه فيه. استهوَته الميثولوجيا وتاريخ الأديان باكرًا، فكتب في الصحف والمجلات السورية منذ عام ١٩٥٨م، ونشر أبحاثَه الأولى في الآداب اللبنانية عام ١٩٦٠م. وفي عام ١٩٧٦م أصدَر كتابه التأسيسي والرصين «مُغامَرة العقل الأولى»، وأصدر عام ١٩٨٥م كتابَه الشهير «لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة». ومنذ عام ١٩٨٦م تفرَّغ لدراسة التاريخ والأركيولوجيا والميثولوجيا وتاريخ الأديان بشكلٍ مستقل، فصدرت له الكثير من الكتب، مثل: «كنوز الأعماق: قراءة في مَلْحمة جلجامش»، و«تاريخ أورشليم»، و«مدخل إلى نصوص الشرق القديم»، و«موسوعة تاريخ الأديان»، و«الوجه الآخَر للمسيح»، و«الإنجيل برواية القرآن»، و«طريق إخوان الصفاء»، و«ألغاز الإنجيل»، و«القصص القرآني ومتوازياته التوراتية». وأصدَر في بكين بالتعاوُن مع الدكتور «تشاو تشنج كو» كتابًا باللغتَين الصينية والعربية عن الحكيم الصيني «لاو تسو». كما ساهَمَ بكتابَين باللغة الإنجليزية صدرا في بريطانيا، هما: «أورشليم بين التوراة والتاريخ»، و«جدليات إسرائيل القديمة وبناء الدولة في فلسطين». كرَّمه الحزب الشيوعي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والجمعية التاريخية السورية، وأمانة عمان. يعمل حاليًّا أستاذًا في تاريخ أديان الشرق الأوسط بجامعة بكين للدراسات الأجنبية.