«امتا من الثقلاء يزول عنا الخطر؟دول في العدد أكتر علينا من المطرإذا انقلب واحد يجي التاني قواموإن كنت أنا نايم يجيني في المناموإن تملِّيت لي دقيقة بالحبيبيظهر عزول منهم علينا أو رقيبيا رب ترسل سيل عليهم من زلطيكون متخصص لوحدهم فقط»في إطارٍ ساخر ينتقد «محمد عثمان جلال» النفاقَ الاجتماعي، وذلك من خلال أحداثِ مسرحيته «الثقلاء» التي تدور فصولها في عصرِ أحدِ سلاطين مصر قبل ثورة يوليو ١٩٥٢م، وتروي قصةَ «محرز» و«عريفة» بلُغةٍ شعرية عامية دارجة، فيها طرافة وحكمة. يرمز الكاتبُ ﺑ «الثقلاء» إلى كل متطفِّل ومنافق وكذَّاب، مع الاستشهاد بأقوالٍ وأمثال شعبية، ومجموعةٍ من الحِكَم والمقولات البليغة. يعيش القارئ مفاجآتِ هذه المسرحية القصيرة، وهو يتابع سعيَ «محرز» الحثيثَ إلى الاقتران بحبيبته «عريفة»، دونَ أن يمنعه أولئك الثقلاءُ من الوصول إلى مَأربه. فهل يكون لهم اليدُ العليا، أم ينجح «محرز» في الفوز بعريفته؟ هذا ما نعرفه في ثنايا هذه المسرحية الهزلية التي تنبض سطورُها برُوح الفُكاهة، التي نتلمَّسها بخِفة في تشبيهات الكاتب الكوميدية، وحوارات شخصياته، وفي وصفه الأحداثَ وصفًا يضع القارئ في حالة من التبسُّم والاستمتاع.
محمد عثمان جلال: مترجم أديب وشاعر مصري، أفنى حياته في الترجمة فتَرَك ميراثًا لا بأسَ به من الكتب والمترجمات. وُلِد «محمد بن عثمان بن يوسف الحسني الجلالي الونائي» عام ١٨٢٨م بقرية «ونا القيس» ﺑ «مركز الواسطى» محافظة «بني سويف». وكان والده موظفًا ببيت القاضي، وتُوُفِّي وهو دون السابعة من عمره؛ فكفله جَدُّه وأدخَلَه «الكُتَّاب»، ثم تلقَّى تعليمَه الابتدائي بمدرسة «قصر العيني الأميرية»، ومنها اختاره أحد أئمة الترجمة «رفاعة رافع الطهطاوي» لدراسة اللغة العربية والفرنسية في «مدرسة الألسن». وبعد تخرُّجه عمل موظفًا بالحكومة، ثم انتُدِب عامَ ١٨٤٥م لتعليم اللغة الفرنسية لأحد رجال ديوان الخديوي وهو «زايد أفندي»، وتدرَّجَ بعد ذلك في سلك الوظائف الحكومية؛ فعُيِّن مترجمًا ﺑ «قلم الكورنتينات» وكان مرتبه مائة قرش، ثم مترجمًا ﺑ «مجلس الطب»، ورُقِّي ليصبح مترجمًا في ديوان «الواردات» بالإسكندرية، ثم رئيسًا للمترجمين ﺑ «ديوان البحرية»، كما عيَّنَه الأمير توفيق (الخديوي فيما بعدُ) رئيسًا لقلم الترجمة بوزارة الداخلية، وكان آخِر المناصب التي تقلَّدَها منصب القضاء ﺑ «المحاكم المختلطة». سار محمد عثمان جلال على نفس نهج مدرسة رفاعة الطهطاوي في الاهتمام بالآداب الفرنسية، ولا سيما كلاسيكيات القرن السابع عشر، فراح ينهل من آداب «لافونتين» و«موليير» و«راسين» و«بوالو»، وأهمَلَ بشكلٍ واضحٍ الكثيرَ من كبار الأدباء الذين كانوا معاصِرين له، مثل «فيكتور هوجو» و«ألفرد دي موسيه». وكانت ترجماته أقربَ إلى التعريب منها إلى الترجمة؛ تماشيًا مع روح العصر؛ حيث حرص محمد عثمان جلال على أن يُضفِي على تعريبه مسحةً مصريةً شرقية، وهذا واضح حتى في ترجمة العناوين؛ فمثلًا رواية «بول وفرجيني» للروائي «برناردين دي سان بيير» عرَّبَها تحت عنوان «الروايات المفيدة في علم التراجيدة». ومن أعماله «الأربع روايات في نخب التيارات»، و«مسرحية الشيخ متلوف» وغيرها الكثير من الأعمال الخالدة في ذاكرة الأدب. تُوُفِّي «محمد عثمان جلال» بالقاهرة عام ١٨٩٨م.