«عبلة: إذن يجب عليك أن تَردِّيه عن الجنون الذي هو فيه، وإلا لو علم زوجي بهذا الخبر يجعله عِبرةً لمَن اعتبر، وينهب أمواله، ويُهلِك رجاله.»بلُغةٍ شعرية بليغة يَسرُد علينا الشيخ «أحمد أبو خليل القباني» أحداثَ مسرحية «عنتر بن شداد» مستشهدًا بأبيات من ديوانه، مُمتزِجةً بالقصة الخيالية؛ فتتنوَّع جُمَل الشخصيات بين الشعر الموزون المقفَّى والنَّثر الشعري، في مسرحيةٍ تَبدأ بهروب «عنتر» من بطش الملِك «النُّعمان»، وما تَرتَّب عليه من تركه زوجتَه «عبلة»؛ فيَطمع في الفوز بها «مسعود» ملِك اليمن الذي أصابه عِشقُها حتى لجأ إلى السِّحر والجن. وتتصاعد الأحداث ويحارب «عنتر بن شداد» في أكثر من جهة؛ فهل ينجح الفارس المِغوار بسيفه وبَراعته الحربية وشهامته وأخلاق الفرسان، في هزيمة العبودية والعنصرية اللتين كانتا تُضافان إلى معاركه فتزيدانها صعوبة؛ أم يقلب «أبو خليل القباني» الموازين ويُفاجِئ القارئ بنهاية جديدة؟ ذلك ما تَقصُّه سطورُ مسرحية «عنتر بن شداد» بلُغتها الفريدة.
«أحمد أبو خليل القباني»: كاتب وملحن وشاعر مسرحي سوري، ويُعتبر رائد المسرح في العالم العربي. هو «أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آغا آقبيق» ولقبه الشيخ «أحمد أبو خليل القباني»، وُلد في حي «باب سريجة» بدمشق عام ١٨٣٣م لأسرة عريقة النسب. تعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب ثم التحق بالمدرسة الابتدائية وداوم على حضور حلقات الدروس بالمدارس وفي الصالونات التعليمية بالبيوت. وحين كبر عمل بمهنة القبان مثل عائلته والتي اشتهرت بلقب «القباني» نسبة لتلك المهنة. أظهر «القباني» ميلًا إلى الموسيقى منذ نعومة أظافره فإتجه إلى تلحين الموشحات وتعلم فنون المسرح، وأحب نظم الشعر وخاصة الأزجال للأغاني الشعبية التي كان يقوم بتلحينها، ثم كوَّن مع مجموعة من رفاقه فرقة تمثيلية وكان يدربهم في بيت جده وأصبح يعرض فيه الروايات المسرحية أو في بيوت أخرى. منحه «مدحت باشا» الذي كان واليًا على دمشق مبلغًا ماليًا ليقوم بإنشاء مسرحًا عام ١٨٧٨م، فقام «القباني» بتأجير مكانًا فسيحًا في حي «باب توما» وأقام مسرحًا في منتصفه وأصبحت الجماهير تتوافد لمشاهدة المسرحيات. يُعد «القباني» هو أول من أدخل الألحان ليتم انشادها أثناء العرض المسرحي في العالم العربي، وقد حقق نجاحًا كبيرًا مما جعل بعض الحركات المحافظة تحاربه حتى تم إقناع السلطان «عبد الحميد» أن روايات «القباني» هي سبب الفسق في دمشق ووصل الأمر بهم إلى تكسير مسرحه، فغادر «القباني» سوريا وسافر إلى مصر مصطحبًا أفراد فرقته وتابع نشاطه الفني في الأسكندرية ثم في القاهرة، ونال نجاحًا كبيرًا في مصر حتى أنه طاف المحافظات ليعرض رواياته، كما قام مع فرقته برحلة إلى أمريكا الشمالية وعرض عددًا من المسرحيات القصيرة في معرض «شيكاغو». وقد عاد «القباني» إلى دمشق في عام ١٩٠٠م بعد أن أقدم خصومه على حرق مسرحه في القاهرة فقرر إعتزال المسرح. ترك «القباني» تراثًا موسيقيًا هائلًا من موشحات وأغان شعبية وألحان مسرحية بالإضافة إلى أعمال أدبية وفنية، ومن تلاميذه الموسيقار «محمد كامل الخلعي» و«عبده الحامولي». وقد توفي في دمشق بعد إصابته بمرض الطاعون عام ١٩٠٣م.