«ما من واحدٍ منكما خدع صاحبه … إنما كان كل واحد منكما يَخدع نفسَه … أو نفسُه هي التي تخدعه … لأنه ما من إنسان هبط إلى قاع نفسه ليرى ما فيها … هذا البحر ذو الوجه الصافي الذي تختلط في جوفه الرمالُ بالأعشاب والصخورُ بالأسماك واللآلئُ بالعقارب.»جميل أن يُمتحَن الحب بين الزوجين، لا سيما إن اشتدت آصرة الحب ورسخت شجرة الوداد مع الأيام واشتد عُودها، وأخلص كلٌّ من الزوجين للآخر واتحدا في الوجهة والغاية. كل هذا عظيم وجميل، ولكنَّ طبيعة الحياة قد قضت بأن لكل شيء حدًّا، وأن خفايا النفوس ليس بوسع أحدٍ بلوغ مداها وسبر أغوارها … ماذا لو امتُحِن الحب بأكثر مما يطيق؟ ماذا لو بدا الضعف البشري فجأةً فجرَّد الحب من رومانسيته وعرَّاه من مثاليته؟ ماذا سيتبقى منه حينئذٍ؟ أسئلة كهذه ستساعدنا هذه الكوميديا السوداء على التفكير فيها. تحكي المسرحية عن زوجين متحابين لا يطيق أحد منهما مجرد التفكير في أن الآخر سوف يموت يومًا ما! لكنهما يوضعان أمام امتحان مفاجئ دون سابق إنذار، سيكون عليهما أن يختارا واحدًا منهما ليُقتَل! فكيف سيتصرفان؟ وأي حقيقةٍ قاسية سيكشفها هذا الامتحان لهما؟
توفيق الحكيم: أحدُ أهمِّ الأسماء اللامعة في جيل روَّاد الأدب العربي الحديث. نال مكانةً خاصة في قلوب قرَّائه، وتَربَّع على عرش المسرح العربي، مؤسِّسًا تيارًا جديدًا هو المسرح الذهني. وُلِد «حسين توفيق إسماعيل الحكيم» في ٩ أكتوبر ١٨٩٨م بمدينة الإسكندرية لأبٍ مصري يعمل في سلك القضاء، وأمٍّ تركية أرستقراطية، وكان لطفولته بدمنهور أثرٌ بالِغ في تكوينه. التَحق بمدرسة دمنهور الابتدائية، ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة محمد علي التوجيهية. أتاحت له الإقامة في القاهرة التردُّدَ على فرقة «جورج أبيض» المسرحية. شارَك في ثورة ١٩١٩م، والتحق بكلية الحقوق ليتخرَّج فيها عام ١٩٢٥م، ثم سافَر إلى باريس لاستكمال دراسته العليا في القانون، لكنه حاد عن ذلك الهدف؛ إذ اتجه إلى الأدب المسرحي والقصصي، وتردَّد على المسارح الفرنسية، والأوبرا، ومتحف اللوفر، وقاعات السينما؛ وهو ما دفَع والِده إلى استقدامه إلى مصر مرةً أخرى عام ١٩٢٨م. تولَّى «الحكيم» وظائفَ ومناصبَ عديدة؛ منها عمله وكيلًا للنائب العام، ومفتشًا للتحقيقات بوزارة المعارف، ومديرًا لإدارة الموسيقى والمسرح، ومديرًا لدار الكتب المصرية، ومندوبَ مصر بمنظمة اليونسكو في باريس، ومستشارًا بجريدة الأهرام وعضوًا بمجلس إدارتها، إلى جانب انتخابه عضوًا بمَجمَع اللغة العربية. أسَّس المسرحَ الذهني العربي الذي يَكشف للقارئ عالمًا من الدلائل والرموز التي يُمكِن إسقاطُها على الواقع في سهولةٍ ويُسر؛ وهو ما يفسِّر صعوبةَ تجسيدِ مسرحياته وتمثيلها على خشبة المسرح؛ إذ يقول: «إني اليومَ أقيم مسرحي داخلَ الذهن، وأجعل الممثِّلين أفكارًا تتحرَّك في المطلَق من المعاني مرتديةً أثوابَ الرموز، لهذا اتَّسعَت الهُوَّة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرةً تنقل مثلَ هذه الأعمال إلى الناس غيرَ المطبعة.» خاض العديدَ من المعارك الأدبية مع رموز عصره مثل: «الشيخ المراغي»، و«مصطفى النحاس»، واليسار المصري. وعُرِف عنه علاقتُه القوية ﺑ «جمال عبد الناصر»، ويُعَد الأبَ الروحي لثورة يوليو لتَنبُّئِه بها في «عودة الروح». أمَّا عن موقفه من المرأة؛ فعلى الرغم من شُهرته بمُعاداته لها إلى حدِّ تَلقيبه ﺑ «عدو المرأة»، فإنه تناوَلها في أعماله بتقديرٍ واحترامٍ كبيرَين. اتَّسم إنتاجه الأدبي بالغزارة والتنوُّع والثراء؛ فقد كتب المسرحيةَ، والرواية، والقصة القصيرة، والسيرة الذاتية، والمقالة، والدراسات الأدبية، والفِكر الديني. ومن أهم أعماله: «عودة الروح»، و«يوميات نائب في الأرياف»، و«عصفور من الشرق»، و«أهل الكهف»، و«بجماليون»، و«شهرزاد». نال العديدَ من الجوائز والأَوسِمة المتميِّزة، منها: «قلادة النيل» عام ١٩٧٥م، و«قلادة الجمهورية» عام ١٩٧٥م، والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام ١٩٧٥م. رحل «الحكيم» عن عالَمنا في ٢٦ يوليو ١٩٨٧م عن عمرٍ يناهز ٨٩ عامًا.