«مع ذلك تجلس أنت مع الخُلَّان تسامر أهل ماهاجوني، تتصاعد سُحب دخان من جلدكم المُصفر، يَلوح الأفق هناك كلوح الرَّق الباهت، أو كطباق ذهبي! وغدًا تحترق مدينة سان-فرانسيسكو، فانظر هذا هو كل المجد، وهذا ما كنتَ تُسمِّيه الخير، يُوضع في كيسٍ أسود، أو كيس بُنِّي؛ كي يحمله الزبَّال البائس، أو يحمله السجَّان، للجبَّانة أو للحان.» أثار عرض المسرحية الملحمية «أوبرا ماهاجوني» لأول مرة عام ١٩٣٠ حفيظة الجمهور من الطبقة البرجوازية، ونظَّموا العديد من المظاهرات ضدها؛ لِما تَحمله من مبادئ اشتراكية رأوا فيها أنها تُبشِّر بالعصر الذهبي، الذي ينتهي فيه صراع الطبقات بانتصار الاشتراكية واستيلاء طبقة العُمال على الحُكم وعلى وسائل الإنتاج. و«أوبرا ماهاجوني» تُعبِّر بشكلٍ ما عن الفوضى السائدة في المجتمع الرأسمالي؛ من اغتراب الفرد داخل المجتمعات الصناعية، وتحكُّم المال في كل حركة وسَكْنة بالمجتمع دون احتساب للقِيم أو الأخلاق، وهي نوع من أنواع «اليوتوبيا المضادة»، التي تسخر بقسوة بالغةَ من المجتمع الرأسمالي المرفَّه في شكله، لكنه هشٌّ في مكوناته وأُسسه.
برتولد برشت: كاتب ومخرج مسرحي وشاعر ألماني، ومن أهم كُتاب المسرح في القرن العشرين، عُرف برؤيته المختلفة للعمل المسرحي في التأليف وطريقة العرض، ومعارضته الأفكارَ النازية التي كانت منتشرة آنذاك. وُلد «برتولد برشت» في ١٠ فبراير ١٨٩٨ بمدينة أوجسبورج لأب بروتستانتي وأم كاثوليكية. كتب الشعر والنثر في المرحلة الثانوية، والتحق بكلية الطب والعلوم الطبيعية بميونخ عام ١٩١٧، بجانب حضوره محاضرات في الأدب والفلسفة وتاريخ الفن. انتقل إلى ميونخ ليعمل مُشاورًا مسرحيًّا في «مسرح الحجرة»، وبعدها انتقل إلى برلين ليبدأ مسيرة الإخراج والكتابة المسرحية، واضطُر إلى الهروب إلى الدنمارك بعد تولِّي «هتلر» السلطة عام ١٩٣٣ بسبب أفكاره المعارضة للنازية، وتوالى الهروب بتوالي توغُّل القوات الألمانية حتى وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم عاد إلى وطنه عام ١٩٤٨ وتولى إدارة المسرح الألماني في برلين الشرقية، وفي العام التالي أسَّس مسرح «برلينر إنسامبل» (فرقة برلين) بمساعدة زوجته الممثلة «هيلينا فايجل»، وقدَّم من خلاله أعماله التي تناولت تأثُّر الضمير الإنساني بالظروف الاجتماعية، والقهر الجمعي، ودور السلطة في تقرير المصائر، وذلك كله في إطار حبكات درامية لا تخلو من سخرية كوميدية. حصل على «الجائزة الوطنية» من ألمانيا الشرقية عام ١٩٥١، وعلى «جائزة لينين الدولية للسلام» عام ١٩٥٤، وكان عضوًا في أكاديمية الفنون في برلين، ثم تولى رئاستها حتى وفاته، وترأس أيضًا «نادي القلم» في الألمانيتَين. تُوفِّي «برتولد برشت» في برلين في ١٤ أغسطس عام ١٩٥٦.