يُقدِّمُ «سعيد تقي الدين» في مَسرحيتِه «نخب العدو» صُورةً ساخِرةً للشخصيةِ اللبنانيةِ القَلِقة، التي أَدْمَتْها الصِّراعاتُ السِّياسِيةُ ومُشكِلاتُ الثَّأر، والحَساسِياتُ الطائِفيةُ التي لا تَكادُ تَخبُو نارُها حتى تَشتعِل مِن جَدِيد؛ فتُزهَقُ الأَرْواح، وتُسفَكُ الدِّماء؛ ممَّا حَدا بالكثيرِ مِن أهلِ جَبلِ لبنان إلى التشتُّتِ في بِلادِ العالَمِ البَعيدةِ كمُهاجِرينَ هَربًا بحَياتِهم، كما فَعلَ الشابُّ المُثقفُ الرَّقيقُ الطِّباعِ «وسيم»؛ الذي ورَّطتْه الأَقْدارُ في صِراعاتٍ ثَأريةٍ هُو فيها زاهِد، فلَمْ تَعصِمْه مِثالِياتُ الكُتبِ التي أَغرقَ نفْسَه في عالَمِها مِن أنْ يَتلوَّثَ بدِماءِ الجَرِيمة، واضطُرَّ إلى أنْ يَهرُبَ معَ صَديقِهِ العابِثِ «راجي» إلى «غرانبلا» بأمريكا الوُسْطى مُتنكِّرَيْن، واحترَفا التِّجارةَ لكَسبِ رِزقِهِما، ولكنَّ مِثاليةَ «وسيم» وثِقَتَه غيرَ المُتريِّثةِ في الناسِ تَجعلانِه هُو وصَديقَه يُواجِهانِ مُشكلاتٍ جَدِيدةً أَقلُّها الإفْلاس. فهَلْ يَتخلَّى «وسيم» عَن مَبادِئِه ولَوْ لِبُرْهةٍ حتَّى تَمرَّ العاصِفة؟
سعيد تقي الدين: أديبٌ ومسرحيٌّ لبناني. وُلِد «تقي الدين» في مدينة «بعقلين» اللبنانية في عام ١٩٠٤م، حيث تلقَّى العِلم بها، ثم الْتَحقَ بالجامعة الأمريكية بلبنان وتخرج منها في عام ١٩25م، وخلال دراسته الجامعية انتَسبَ إلى جمعيةِ «العروة الوثقى» الشهيرة، وتولَّى عدة مسئولياتٍ فيها حتى أصبح رئيسَها ومديرَ تحريرِ المجلة الناطقة بلسانها. بدأ «تقي الدين» في الكتابة المسرحية منذ بداية شبابه، فألَّفَ مسرحيةَ «لولا المحامي» وهو في العشرين من عمره، وتوالَتْ مَقالاته الأدبية والسياسية التي تلقَّفتْها الدوريات والمجلات الشامية والمصرية لنشرها، وبعد هجرته إلى الفلبين بدأ أسلوبُه يصبح أكثرَ نُضجًا وجودة؛ فكانت مسرحياتُه الشهيرة، مثل: «نخب العدو» و«حفنة ريح»، بالإضافة إلى مجموعات قصصية مختلفة. عُيِّن «تقي الدين» قنصلًا فخريًّا للبنان في الفلبين عام ١٩٤٦م، كما انتمى في الخمسينيات إلى «الحزب القومي السوري»، بالإضافة إلى مشاركته في العديد من الفعاليات والأنشطة السياسية التي تسبَّبتْ في أن يُحكَم عليه بالإعدام غيابيًّا مرتين، وبعد عدة تضييقات هاجَرَ مرةً ثانية إلى المكسيك، ومنها إلى كولومبيا حيث عاش فيها بقيةَ حياته. تُوفِّي «تقي الدين» في كولومبيا عام ١٩٦٠م.