الحبُّ هو هذا القَدَرُ الذي لا يُمكنُ أن نهربَ مِنه، عَصِيٌّ هو على العِصيان، فلا يَأتيكَ النداءُ إلَّا لبَّيتَه، مُتحكِّمٌ بحياتِنا، وكم من حياةٍ أَتَى عليها الحُب! وكم من حياةٍ بَناها! وكم من قتيلٍ سالتْ دِماهُ فداءَ حبِّه! ذاقَ « ألفريد دي موسيه» طعمَ العشقِ ومرارةَ الهَجْر، وكتبَ عن الحبِّ في مسرحيتِه هذه، وعن فراقِ حبيبتِه له، بعد أن وقَعَتْ في عِشقِ طبيبِه، الذي عَمَّقَ جِراحَ قلبِه بدلًا من أن يداويَه. كتبَ «دي موسيه» ثلاثَ رسائلَ عن ثلاثِ ليالٍ، يحاورُ فيها ربَّةَ الشِّعْر، ويَشكُو لها حُزْنَه والآلامَ التي أصابتْهُ لهِجْرانِ محبوبَتِه.
ألفريد دي موسيه: واحدٌ من أهمِّ أدباءِ فرنسا الذينَ حقَّقتْ كتاباتُهم شهرةً طاغيةً في القرنِ التاسعَ عشَر، وأحدُ أهمِّ الشعراءِ الذينَ تمرَّدُوا على المذهبِ الكلاسيكيِّ في حِقْبتِه، وتبنَّوْا المذهبَ الرومانسيَّ والدعوةَ إلى الحُرية. وُلِدَ «لوي شارل ألفريد دي موسيه-باتاي» في الحاديَ عشرَ من ديسمبرَ عامَ ١٨١٠م بباريس، عاشَ فقيرًا بالرغمِ من انتماءِ عائلتِه للطبقةِ الراقية؛ فقَدِ امتنَعَ والدُه الذي شغَلَ عدةَ مناصبَ عُليا عن إعطائِه النقود. عشقَتْ والدتُه الرسمَ وخصَّصتْ له غرفةً في منزلِها؛ ممَّا كانَ لهُ أثرٌ كبيرٌ على «ألفريد» في صِباه. ظهرَتْ ميولُه الأدبيةُ مبكرًا؛ حيثُ كانَ في صغَرِه يَنكبُّ على قراءةِ القصصِ القصيرةِ ويعمَلُ على تَجسيدِها في مسرحياتٍ مُصغَّرة، والْتحَقَ في سنِّ التاسِعةِ بكليةِ «هنري الرابع» حيثُ تمكَّنَ في عامِ ١٨٢٧م من الفوزِ بجائزةِ المقالاتِ اللاتينيةِ وهو لا يَزالُ في السابعةَ عشرة. انتظَمَ حينَها في حضورِ الصالونِ الأدبيِّ ﻟ «شارل نودييه»، وانضمَّ برفقةِ «فيكتور هوجو» و«لامارتين» وغيرِهما إلى اﻟ Cénacle؛ وهيَ إحدى المَجموعاتِ الأدبيةِ الباريسيةِ التي عُنِيتْ بإحياءِ الأدبِ الفرنسي. وبالرغمِ من محاولاتِ «ألفريد» للدراسةِ في مجالاتٍ عدَّةٍ كالقانونِ والرسمِ والطب، فإنَّ حبَّه للكتابةِ طغى على كلِّ مُحاوَلاتِه، فاتَّجَه للأدبِ بشكلٍ كُلي. اشتُهِرتْ قصةُ حبِّه للروائيةِ الفرنسيةِ «جورج ساند» التي هجَرتْه بعدَ سفرِهما إلى إيطاليا ١٨٣٤م؛ والتي حَكى مُعاناتَه بفَقدِها في سلسلةِ قصائدَ بعنوانِ «الأُمْسيات»، واستلهَمَ مسرحيتَه «لا تَهْزأْ بالحُب» مِنَ الخِطاباتِ المتبادَلةِ بينَهما، كما روَتْ بدَورِها قِصتَهما في كتابِها «هي وهو». نشَرَ أولَ مجموعةٍ شعريةٍ له بعُنوانِ «قِصص من إسبانيا وإيطاليا» عامَ ١٨٢٩م، فأصبحَ بحُلولِ عامِه العشرينَ ذا شُهرةٍ أدبيةٍ واسعة. وتنوَّعتِ الأشكالُ الأدبيةُ التي قدَّمَها ما بينَ شعرٍ ومسرحٍ وقصَّة، نَذكُرُ منها قصيدتَهُ الطويلةَ «رولا»، و«بيير وكاميل»، و«اعترافات فَتى العَصر»؛ وتُمثِّلُ الأخيرةُ سيرتَه الذاتيَّة، وأكثرَ مُؤلَّفاتِهِ ذَيْعًا وأهمية. تُوفِّيَ «ألفريد دي موسيه» عامَ ١٨٥٧م عن عمرٍ يُناهزُ السابعةَ والأربعين، وبالرغمِ من اختلافِ النُّقادِ في استِقبالِ شِعرِه ما بينَ مؤيِّدٍ ومُعارِض؛ فإنهُ لا خلافَ على ما كانَ له من أثرٍ بارزٍ في الأدبِ الفرنسي، بالرغمِ من قِصَرِ عُمرِه.