«وليست المسرحيات التي تلتقي بها في هذا الكتاب مجردَ «مسرَحةٍ» لمجموعة من الحكايات والنصوص التي اطلعتُ عليها عن اختيارٍ أو اضطرار — بحكم عملي في تدريس الفلسفة الشرقية — ولا هي محاكاة لأشكالٍ ونماذجَ من الشعر والحكمة المأثورة عن عالَم غامض بعيد (على طريقة ريكرت وبلاتين مثلًا في الأدب الألماني)، وإنما هي أحاسيس وأفكار وقِيَم ومواقف جرَّبتُها وعايشتُها خلال سِباحتي المتواضعة في بحر الشرق.» اقتفى الدكتور «عبد الغفار مكاوي» آثارَ «جوته» أثناء السير بحثًا عن الكنوز الشرقية، باعتباره أول من بدأ حركة الاستلهام الأدبي منها، لكنه بمِصريَّته التي تظهر في كلِّ كتاباته، جعل بين أسطُرِها همومَ العربيِّ الحامل لقضايا أمَّته وآمالَه، عَبْر أربعِ مسرحيات مستلهَمة من قصصٍ شرقية، صينية وبابلية وسومرية؛ بطلُ الأولى منها هو الشابُّ الناسك تلميذُ المعلم «لاو تزو» الذي يحمل بين جنبَيه طموحَ تغيير العالم، فيصطدم بجبروت «القيصر الأصفر»؛ وفي الثانية استلهامٌ من إحدى الحكايات الصينية التي تقوم على النقد الذاتي للفلسفة الطاويَّة الانعزالية؛ أمَّا الثالثة فهي تقوم على أحد النصوص البابلية، غير أن «مكاوي» أجرى قلمَ الأديب فيها، فاستحالت إلى حكايةٍ يَكسوها الأمل؛ والمسرحيةُ الأخيرة عبارة عن ترتيلةٍ طويلة لمجمع الآلهة السومريِّين، تنتهي بانتفاضةِ شعب المملكة، القابعِ تحت وطأة الظلم.
عبد الغفار مكاوي: أَكادِيميٌّ وفَيلَسوفٌ وأَدِيبٌ مِصرِي، وعَلَمٌ من أَعلَامِ التَّرجمةِ الَّذِينَ نَقَلوا الأَدَبَ الأَلمَانيَّ إلى اللُّغةِ العَرَبِية. وُلِدَ عبد الغفار حسن مكاوي فِي بَلدَةِ «بلقاس» بِمُحافَظةِ الدَّقَهلِيةِ فِي ١١ يناير عامَ ١٩٣٠م. تَلقَّى تَعلِيمَهُ الأوَّلَ بالكُتَّابِ عامَ ١٩٣٦م، وفِي العامِ التالي التَحَقَ بالمَدرَسةِ الابتِدَائِية، ثُمَّ حصَلَ عَلى «شهادةِ الثَّقافَة» مِنَ المَدرَسةِ الثَّانوِيةِ بطنطا عامَ ١٩٤٧م، وخِلالَ هَذهِ الفَترةِ قرأَ لِكِبارِ الأُدَباءِ والشُّعَراءِ والمُترجِمينَ مِن أَمثَال: طه حسين، والمازِني، والعقاد، وتوفيق الحكيم، والمنفلوطي، وجُبران. وفِي عامِ ١٩٥١م حَصَلَ على ليسانس الفَلسَفةِ مِن كُليةِ الآدابِ جَامِعةِ القَاهِرة، كمَا حَصَلَ عَلى الدُّكتُوراه فِي الفَلسَفةِ والأَدَبِ الألمَانيِّ الحَدِيثِ مِن جَامِعةِ فرايبورج ﺑ «بريسجاو» بألمَانيا عن رِسالتِهِ «بَحْثٌ فَلسَفِي عن مفهومَيِ المُحَالِ والتمرُّدِ عند ألبير كامي» عامَ ١٩٦٢م. كما كان مُلِمًّا بعِدَّةِ لُغاتٍ كالألمَانيةِ والإنجلِيزيةِ والفَرَنسيةِ والإيطَالِيةِ واللاتِينيةِ واليُونانيةِ القَدِيمة، وكانَ لِإتقانِهِ اللُّغةَ الألمَانيةَ دورٌ هامٌّ فِي ترجمةِ العَديدِ مِن كلاسِيكياتِ اَلأدبِ الألمَاني. بدأَ سِلكَهُ الوَظيفيَّ فِي وَظيفةِ «مُفهرِس» بِدَارِ الكُتبِ المِصريةِ بَينَ سَنتَي (١٩٥١–١٩٥٧م)، وفِي عامِ ١٩٦٧م عمِلَ بالتَّدريسِ بقِسمِ اللُّغةِ الألمَانيةِ ثُم قِسمِ الفلسفةِ بكُليةِ الآدَابِ جَامِعةِ القَاهرة، كمَا عُيِّن مُدرِّسًا فِي كُليةِ الآدابِ بجَامِعةِ الخرطوم. وخِلالَ الفَترةِ ١٩٧٨–١٩٨٢م أُعِيرَ إلى جَامِعةِ صَنعَاءَ باليَمَن، لِيَعودَ إلى التَّدرِيسِ بجَامِعةِ القَاهرةِ حتَّى عامِ ١٩٨٥م، غَيرَ أنهُ استقالَ مِنها ليَلتحِقَ بالتَّدرِيسِ بجَامِعةِ الكويت. نالَ مكاوي جَائزةَ الدَّولةِ التَّشجِيعيةَ فِي الأَدبِ عامَ ١٩٧٦م عن كِتابِ «ثورة الشِّعر الحديث»، ومِيداليةَ جوته مِن ألمَانيا عامَ ٢٠٠٠م، وجَائزةَ التميُّزِ مِن اتِّحادِ الكُتَّابِ عامَ ٢٠٠٢م، وجَائزةَ الدَّولةِ التَّقدِيريةَ فِي الآدَابِ مِنَ المجلسِ الأَعلى للثَّقافةِ عامَ ٢٠٠٣م. تَركَ لنا إنتاجًا أَدبيًّا غَزيرًا ما بَينَ أَعمالٍ مُؤلَّفةٍ ومُترجَمةٍ في الشِّعرِ والقصصِ والدِّراساتِ الأَدبيةِ والفَلسَفية، مِنها: «بِشْر الحافي يَخرُج من الجحيم»، و«مدرسة الحكمة»، و«المُنقِذ»، و«نداء الحقيقة»، و«هلدرلين»، و«لِمَ الفلسفة؟»، و«النور والفراشة» لجوته، و«تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» لكانط، و«ملحمة جلجاميش»، بِجانِبِ العَديدِ مِنَ المَقالاتِ التِي نَشرَها فِي «الثقافة» و«الآداب» و«المجلة» و«فصول» وغيرها. تُوفِّيَ عبد الغفار مكاوي في ۲٤ ديسمبر عام ۲۰۱۲ عن عُمرٍ يُناهِزُ ۸۲ عامًا.