«إيزيس (صائحة): لا تُصغِ إلى هذا الساذج يا توت. إنه ينسى أننا نُعِد لمعركة، وأن خَصْمنا في هذه المعركة رجلٌ قوي مغامِر بارعُ الوسيلة واسعُ الحيلة، وهو فوق ذلك مطلَق اليدَين يَطعن بكل سلاح. في حين أننا نريد أن نُكتِّف حوريس بقيودِ الشرف، ونقدِّمه لخَصْمه مغلولَ اليدَين مكشوفَ القلب …»يناقش «توفيق الحكيم» في هذه المسرحية قضيةَ الصراع بين الواقع والمِثالي في مجال السياسة والحُكم، وما يتفرَّع منها من قضايا ثانوية مثل: المهارة والمكر في الصراع البشري، والالتزام بالقضية في مقابل الالتزام بالمبدأ. يعالج «الحكيم» هذه القضايا من خلال الأحداث التي جرَّدها من طابعها الأسطوري مقترِبًا بها من الواقع؛ فهو لا يتَّبِع الأسطورةَ في إعادة بعث «أوزيريس» إلى الحياة، بل يُسلِّم بموتِه جاعلًا من «حوريس» رمزًا للعدلِ المنشود، واستعادةِ العرش الذي سلبه «طيفون». وفي سبيل ذلك لجأت «إيزيس» — التي اختفَت بعد قتل زوجها حتى شبَّ ساعِدُ ابنِها «حوريس» وبلغ سبعة عشر حولًا — إلى استخدامِ كل الحِيَل حتى تَضمن العرشَ لابنها وسيادة العدل والخير؛ فتَحالَفت مع «شيخ البلد» الخائن لزوجها وللشعب، ليكون سببًا في إنقاذِ ابنها من الهزيمة، والاحتكامِ إلى الشعب الذي يَثور على «طيفون» ويُنصِّب «حوريس» ملِكًا.
توفيق الحكيم: أحدُ أهمِّ الأسماء اللامعة في جيل روَّاد الأدب العربي الحديث. نال مكانةً خاصة في قلوب قرَّائه، وتَربَّع على عرش المسرح العربي، مؤسِّسًا تيارًا جديدًا هو المسرح الذهني. وُلِد «حسين توفيق إسماعيل الحكيم» في ٩ أكتوبر ١٨٩٨م بمدينة الإسكندرية لأبٍ مصري يعمل في سلك القضاء، وأمٍّ تركية أرستقراطية، وكان لطفولته بدمنهور أثرٌ بالِغ في تكوينه. التَحق بمدرسة دمنهور الابتدائية، ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة محمد علي التوجيهية. أتاحت له الإقامة في القاهرة التردُّدَ على فرقة «جورج أبيض» المسرحية. شارَك في ثورة ١٩١٩م، والتحق بكلية الحقوق ليتخرَّج فيها عام ١٩٢٥م، ثم سافَر إلى باريس لاستكمال دراسته العليا في القانون، لكنه حاد عن ذلك الهدف؛ إذ اتجه إلى الأدب المسرحي والقصصي، وتردَّد على المسارح الفرنسية، والأوبرا، ومتحف اللوفر، وقاعات السينما؛ وهو ما دفَع والِده إلى استقدامه إلى مصر مرةً أخرى عام ١٩٢٨م. تولَّى «الحكيم» وظائفَ ومناصبَ عديدة؛ منها عمله وكيلًا للنائب العام، ومفتشًا للتحقيقات بوزارة المعارف، ومديرًا لإدارة الموسيقى والمسرح، ومديرًا لدار الكتب المصرية، ومندوبَ مصر بمنظمة اليونسكو في باريس، ومستشارًا بجريدة الأهرام وعضوًا بمجلس إدارتها، إلى جانب انتخابه عضوًا بمَجمَع اللغة العربية. أسَّس المسرحَ الذهني العربي الذي يَكشف للقارئ عالمًا من الدلائل والرموز التي يُمكِن إسقاطُها على الواقع في سهولةٍ ويُسر؛ وهو ما يفسِّر صعوبةَ تجسيدِ مسرحياته وتمثيلها على خشبة المسرح؛ إذ يقول: «إني اليومَ أقيم مسرحي داخلَ الذهن، وأجعل الممثِّلين أفكارًا تتحرَّك في المطلَق من المعاني مرتديةً أثوابَ الرموز، لهذا اتَّسعَت الهُوَّة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرةً تنقل مثلَ هذه الأعمال إلى الناس غيرَ المطبعة.» خاض العديدَ من المعارك الأدبية مع رموز عصره مثل: «الشيخ المراغي»، و«مصطفى النحاس»، واليسار المصري. وعُرِف عنه علاقتُه القوية ﺑ «جمال عبد الناصر»، ويُعَد الأبَ الروحي لثورة يوليو لتَنبُّئِه بها في «عودة الروح». أمَّا عن موقفه من المرأة؛ فعلى الرغم من شُهرته بمُعاداته لها إلى حدِّ تَلقيبه ﺑ «عدو المرأة»، فإنه تناوَلها في أعماله بتقديرٍ واحترامٍ كبيرَين. اتَّسم إنتاجه الأدبي بالغزارة والتنوُّع والثراء؛ فقد كتب المسرحيةَ، والرواية، والقصة القصيرة، والسيرة الذاتية، والمقالة، والدراسات الأدبية، والفِكر الديني. ومن أهم أعماله: «عودة الروح»، و«يوميات نائب في الأرياف»، و«عصفور من الشرق»، و«أهل الكهف»، و«بجماليون»، و«شهرزاد». نال العديدَ من الجوائز والأَوسِمة المتميِّزة، منها: «قلادة النيل» عام ١٩٧٥م، و«قلادة الجمهورية» عام ١٩٧٥م، والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام ١٩٧٥م. رحل «الحكيم» عن عالَمنا في ٢٦ يوليو ١٩٨٧م عن عمرٍ يناهز ٨٩ عامًا.