«لبنى (لنفسها): مسكين، الظاهرُ أنه كان غنيًّا فأصبح فقيرًا.وزير: ربما كان ذلك؛ فالزمان يأتي بالعجائب، فلا يجب على الإنسان أن يَأتِمنه، بل يجب أن يَحذر دائمًا مَكرَه وغَدره. فكَم غني أمسى فقيرًا! وكم صعلوك أصبح غنيًّا قديرًا!»لا يَدوم الظلمُ مهما زاد طغيانه، فنهايتُه حتميةٌ وإن طال به الأمد؛ هذه هي الرسالة التي يَنقلها لنا الأديب اللبناني الكبير «سليم النقاش» في هذه المسرحية الدرامية المشوِّقة بفصولها الخمسة، التي كتبها بأسلوبٍ نثريٍّ يَتخلَّله الكثير من الأبيات الشعرية، خاصةً في مواقف الحماسة والعواطف. ويروي «النقاش» هنا قصةَ الأمير الظالم «إسكندر» الذي شَغَفه حبُّ «أسما»؛ الفتاةِ الفقيرة اليتيمة، ورغب في الزواج منها غيرَ مبالٍ بوالده الملِك العادل الذي عارَضَ هذا القرار بشِدَّة، ولم تكُن تلك هي العقَبة الوحيدة، بل كان على الأمير الظالم لكي يَستأثِر بقلب الفتاة أن يَتخلَّص من «سليم»؛ الفتى الشجاع الذي أحبَّته «أسما» منذ نعومة أظافرها، فأودَعه السجنَ ظلمًا وهدَّده بالقتل إن لم يتنازل عن حبِّه لها، فهل سينال الأمير الظالم مأربَه في النهاية؟ هل ستنتصر القسوة والظلم على الحب؟ تُعَد هذه المسرحيةُ واحدةً من أشهر ما كتَب «سليم النقاش» في أواخر القرن التاسع عشر، وما إن عُرضت في مصر، حتى أغضبَت الخديو «إسماعيل» وأمَر بإيقافها.
سليم النقاش: مؤرِّخ وأديب وشاعر لبناني، ذاع صِيته في سماء المسرح العربي؛ فهو صاحبُ أولِ فرقةٍ عربية تزور مصر، وتُدخِل فيها الفنَّ المسرحي باللغة العربية. وُلد «سليم خليل النقاش» في بيروت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ونشأ في أسرة أدبية رفيعة مَعْنية بالآداب والفنون والمسرح؛ فعمُّه الكاتب المسرحي الكبير «مارون النقاش». درَس «سليم» ثلاثَ لغات هي العربية والفرنسية والإيطالية. عاش ببيروت نصفَ عمره، ثم انتقل إلى مصر، وعاش فيها بقيةَ حياته. عمل بالتحريرِ الصحفي وإصدارِ الجرائد، فشارَك «أديب إسحاق» في إصدار العديد من الجرائد مثل: «مصر» عامَ ١٨٧٧م، و«التجارة» عامَ ١٨٧٨م، و«المحروسة» عامَ ١٨٨٠م. كما كان موسوعيَّ الثقافةِ والإنتاجِ المعرفي، فبجانب الكتابة والتحرير الصحفيَّين، كتب الشعرَ الغنائي، والرواية، والمسرحية. كان الإسهام الأبرز ﻟ «سليم النقاش» في المسرح؛ فقد أدخل الفنَّ المسرحي باللغة العربية إلى مصر؛ حيث قَدِم بفرقته إلى الإسكندرية في نهاية نوفمبر ١٨٧٦م، وكانت أولُ مسرحية مثَّلتها فرقته هي «أبو الحسن المغفل» في ٢٣ ديسمبر ١٨٧٦م، وقُدِّمت بعدها «السليط الحَسُود» في ٢٨ ديسمبر ١٨٧٦م، وفي ٦ يناير ١٨٧٧م مُثِّلت مسرحية «مي وهوساس» في مسرح زيزينيا بالإسكندرية، وغيرها من الروايات التي أتقنَت فرقتُه تمثيلَها، ولاقَت إعجابًا شديدًا في الأوساط التركية والإنجليزية والمصرية والشامية كافَّة. أمَّا عن إنتاجه في التأليف المسرحي والشعري، فقد نظَم قطعًا غنائية في سياق مسرحياته المؤلَّفة والمقتبَسة والمترجَمة، مثل مسرحية «الظلوم»، واقتبس مسرحيةَ «عايدة» الأوبرالية عن الإيطالية، وتَرجَم عدةَ مسرحيات عن الفرنسية، مثل: «هوراس» ﻟ «كورني»، و«فيدر» و«متريدات» ﻟ «راسين»، و«الأفريقية» ﻟ «سكريب». كما كان له إسهامٌ واضح في التأليف التاريخي؛ ولعل أشهرَ إسهاماته في هذا المجالِ كتابُه «مصر للمصريين» أو «حوادث الفتنة العرابية» ٩ أجزاء. تُوفِّي «سليم النقاش» عام ١٨٨٤م بالإسكندرية بعد حياةٍ حافلة بالعمل والاجتهاد والإبداع.