«الزوجة: نعم، الله سلَّم ولطف، واجتزنا أيامَ الفقر، وعندما جاء الفرَج طلَبْنا الخلف، لكن هيهات! إنه السقط الأول، ولا شكَّ كان قد أثَّر في رَحِمي، نعم هو السقط الأول!الزوج: نعم، هذا السقط الذي حدَث ليس على كلِّ حالٍ بشيء ذي بال، إنه لا يعدو أن يكون ثلاث أو أربع ثمرات من البرتقال الأخضر الصغير في حجم البندقة.»يتخذ «توفيق الحكيم» من مطلع الأغنية التراثية الشعبية «يا طالع الشجرة هات لي معاك بقرة» عنوانًا لهذه المسرحية، رابطًا بين فنِّ اللامعقول من ناحية، والرمز من ناحية أخرى؛ فالأغنية في معناها الحرفي غير معقولة؛ إذ يستحيل أن نجد بقرةً فوق الشجرة، ولكنها في جوهرها محمَّلة بالرمز؛ حيث إنها موَّال يجري على لسانِ رجلٍ فقير يسأل مَن اغتنى أن يَجود عليه ببقرة تسقيه شيئًا من حليبها؛ وبذلك يؤكِّد «الحكيم» على تأصُّل اللامعقول في تراثنا الشعبي. أمَّا المسرحية فهي تنتمي في ظاهرها إلى مسرح اللامعقول، ويبدو ذلك جليًّا في المشهد الذي جمع بين الزوجَين بطلَي المسرحية وهما يتحاوران ظاهريًّا، ولكن الحقيقة أن كلًّا منهما يُحدِّث نفسَه عن الموضوع الذي يشغله، فيرمز الحوار في جوهره إلى الصراع بين الفنِّ مجسَّدًا في الزوج الذي يرعى شجرة فنه، والحياةِ مجسَّدةً في الزوجة التي ترعى جنينَها.
توفيق الحكيم: أحدُ أهمِّ الأسماء اللامعة في جيل روَّاد الأدب العربي الحديث. نال مكانةً خاصة في قلوب قرَّائه، وتَربَّع على عرش المسرح العربي، مؤسِّسًا تيارًا جديدًا هو المسرح الذهني. وُلِد «حسين توفيق إسماعيل الحكيم» في ٩ أكتوبر ١٨٩٨م بمدينة الإسكندرية لأبٍ مصري يعمل في سلك القضاء، وأمٍّ تركية أرستقراطية، وكان لطفولته بدمنهور أثرٌ بالِغ في تكوينه. التَحق بمدرسة دمنهور الابتدائية، ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة محمد علي التوجيهية. أتاحت له الإقامة في القاهرة التردُّدَ على فرقة «جورج أبيض» المسرحية. شارَك في ثورة ١٩١٩م، والتحق بكلية الحقوق ليتخرَّج فيها عام ١٩٢٥م، ثم سافَر إلى باريس لاستكمال دراسته العليا في القانون، لكنه حاد عن ذلك الهدف؛ إذ اتجه إلى الأدب المسرحي والقصصي، وتردَّد على المسارح الفرنسية، والأوبرا، ومتحف اللوفر، وقاعات السينما؛ وهو ما دفَع والِده إلى استقدامه إلى مصر مرةً أخرى عام ١٩٢٨م. تولَّى «الحكيم» وظائفَ ومناصبَ عديدة؛ منها عمله وكيلًا للنائب العام، ومفتشًا للتحقيقات بوزارة المعارف، ومديرًا لإدارة الموسيقى والمسرح، ومديرًا لدار الكتب المصرية، ومندوبَ مصر بمنظمة اليونسكو في باريس، ومستشارًا بجريدة الأهرام وعضوًا بمجلس إدارتها، إلى جانب انتخابه عضوًا بمَجمَع اللغة العربية. أسَّس المسرحَ الذهني العربي الذي يَكشف للقارئ عالمًا من الدلائل والرموز التي يُمكِن إسقاطُها على الواقع في سهولةٍ ويُسر؛ وهو ما يفسِّر صعوبةَ تجسيدِ مسرحياته وتمثيلها على خشبة المسرح؛ إذ يقول: «إني اليومَ أقيم مسرحي داخلَ الذهن، وأجعل الممثِّلين أفكارًا تتحرَّك في المطلَق من المعاني مرتديةً أثوابَ الرموز، لهذا اتَّسعَت الهُوَّة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرةً تنقل مثلَ هذه الأعمال إلى الناس غيرَ المطبعة.» خاض العديدَ من المعارك الأدبية مع رموز عصره مثل: «الشيخ المراغي»، و«مصطفى النحاس»، واليسار المصري. وعُرِف عنه علاقتُه القوية ﺑ «جمال عبد الناصر»، ويُعَد الأبَ الروحي لثورة يوليو لتَنبُّئِه بها في «عودة الروح». أمَّا عن موقفه من المرأة؛ فعلى الرغم من شُهرته بمُعاداته لها إلى حدِّ تَلقيبه ﺑ «عدو المرأة»، فإنه تناوَلها في أعماله بتقديرٍ واحترامٍ كبيرَين. اتَّسم إنتاجه الأدبي بالغزارة والتنوُّع والثراء؛ فقد كتب المسرحيةَ، والرواية، والقصة القصيرة، والسيرة الذاتية، والمقالة، والدراسات الأدبية، والفِكر الديني. ومن أهم أعماله: «عودة الروح»، و«يوميات نائب في الأرياف»، و«عصفور من الشرق»، و«أهل الكهف»، و«بجماليون»، و«شهرزاد». نال العديدَ من الجوائز والأَوسِمة المتميِّزة، منها: «قلادة النيل» عام ١٩٧٥م، و«قلادة الجمهورية» عام ١٩٧٥م، والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام ١٩٧٥م. رحل «الحكيم» عن عالَمنا في ٢٦ يوليو ١٩٨٧م عن عمرٍ يناهز ٨٩ عامًا.