في هَذَا المُؤلَّفِ يَجمَعُ الدكتور «سيد علي إسماعيل» بَينَ دِراسةٍ عَن حَياةِ «تادرس وهبي بك»، وعَملٍ يُعَدُّ مِن أَهمِّ مُؤلَّفاتِه المَسرَحية؛ وهُو «عنوانُ التَّوفِيق في قِصةِ يُوسُفَ الصِّدِّيق». يَسرُدُ لَنا الكاتِبُ تَفاصِيلَ حَياةِ «تادرس وهبي بك» ونَشْأتِه؛ مُنذُ الْتِحاقِه بمَدرَسةِ الأَرْمنِ بالأَزْبكيةِ وتَعلُّمِه مَبادِئَ اللُّغةِ الفَرنسِية، إلى أنْ أَصْبحَ مُعلِّمًا لَها في مَدرَسةِ «حارَة السقَّائين» القِبْطية؛ ومِن ثَمَّ تَرقَّى وأَصْبحَ ناظِرًا للمَدرَسة. وضَعَ «تادرس وهبي» العَدِيدَ مِنَ المُؤلَّفاتِ التَّعلِيمية، مِن أَبْرزِها «الخُلاصةُ الذَّهَبية في اللُّغةِ العَرَبية»، وفِي فَنِّ المَسرَحِ قدَّمَ «الأَثَر النَّفِيس في تَارِيخِ بطرسَ الأَكْبرِ ومُحاكَمةِ ألكسيس»، ومَسرَحيةَ «عنوانُ التَّوفِيق في قِصةِ يُوسُفَ الصِّدِّيق» المُلحَقَ نَصُّها بهذِهِ الدِّراسة؛ ذَاكَ النَّصُّ الذِي يُعَدُّ أولَ نَصٍّ مَسرَحيٍّ يُعرَضُ على الرَّقابةِ الفَنيةِ آنَذَاك؛ نَظرًا لِمَا يَسرُدُه مِن وَقائِعَ حَقِيقيةٍ عَن قِصةِ «سَيِّدنا يُوسُف». وقَدِ اعْتَمدَ «تادرس وهبي» في كِتابةِ الأَحْداثِ عَلى «القُرآنِ الكَرِيم» في المَقامِ الأَوَّل، ولَمْ يَعتمِدْ على نَصِّ «التَّوْراة»، وقَدْ أضافَ مُلحَقًا بأَحْداثِ القِصةِ كَما وَردَتْ في الأَدْيانِ الثَّلَاثة.
تادرس وهبي: شاعرٌ مِصري، مِن أُدباء الأَقْباط، كَتبَ الرواية والقِصة، وله إسهامٌ في الترجمة. وُلِد تادرس بن وهبة الطهطاوي المصري في القاهرة عامَ ١٨٦٠م/١٢٧٧ﻫ، وعند بلوغه سِنَّ الخامسة الْتَحقَ بمَدرسة الأرمن بِحي الأزبكية، فتعلَّمَ فيها الفَرنسية والأرمنية، وفي سِن العاشرة الْتَحقَ بمَدرسة الأقباط، فتعلَّمَ فيها اللغة العربية وأتقَنَ الإنجليزية. عقِبَ تخرُّجه في مدرسة الأقباط عمل مُترجِمًا بنِظَارة المَعارِف، ثُم الْتَحقَ بالأزهر الشريف ليصبح أول قبطي مصري يحفظ القرآن الكريم في العصر الحديث، فضلًا عن دراسته علومَ الحديث والفقه. ترك تادرس وهبي وظيفتَه الحكومية، وعمل مُدرسًا للُّغتَين العربية والفرنسية بمَدرسة الأقباط، وتَرقَّى في المناصب الإدارية بها حتى أصبح ناظرًا إلى أن أُحِيلَ على المعاش عامَ ١٩١٦م. كان لتادرس وهبي دورٌ كبير في لَمِّ شَمْل المسيحيين المصريين، وجَمْعهم على مَطالِبَ مُوحَّدة بعد أن كاد الخِلاف يُفشِل المُؤتمرَ الذي دعَوْا إليه للمُطالَبة بعِدَّة حقوقٍ لهم عامَ ١٩١١م بأسيوط؛ حيثُ نَظَم قصيدةً تدعو إلى نَبْذ الخِلاف والالتفاف حول مَطالِبَ مُوحَّدة. تنوَّعَ إنتاجُ تادرس وهبي الأدبي بين التأليف والترجمة، ومن أهم أعماله المُترجَمة روايةُ «تلماك» التي ترجَمَها عن اللغة الفرنسية، وهي من تأليف الأديب الفرنسي «فرانسوا فينلون». وله عِدةُ مُؤلَّفات، منها: «التُّحْفة الوهبية في تقريب اللغة الفرنسية»، و«الأثر الجليل في رثاء إسماعيل»، و«الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس»، و«عنوان التوفيق في قصة يوسف الصدِّيق»، و«مِرآة الظرف في فن الصرف»، و«الخلاصة الذهبية في اللغة العربية»، و«كتاب في اللغة القبطية». وله قصائدُ جاءَتْ في كتاب الأدب القبطي قديمًا وحديثًا للدكتور «محمد سيد كيلاني»، منها قصيدتان في رثاء بطرس غالي، وثالثةٌ في الذكرى السنوية لوفاته عامَ ١٩١١م، وقصيدةٌ في تهنئة الخديوي عباس لنجاته من مُؤامَرةِ اغتيالٍ دُبِّرتْ له في شبرا عامَ ١٩١٢م، وقصائدُ أخرى نُشِرتْ في مجلة روضة المدارس بالقاهرة، منها قصيدتان في تهنئة الحَضْرة الخديوية، وقصيدةٌ في تهنئة محمد ثابت باشا، وأخرى في تهنئة الخديوي بالعيد الأكبر، ونَشرتْ مجلةُ الوقائع المصرية عدةَ قصائدَ له بينَ عامَيْ ١٨٧٣م و١٨٧٤م. تُوفِّي تادرس وهبي عامَ ١٩٣٤م عن عُمرٍ يناهز الرابعة والسبعين، وقد رثاه حينها صديقُه «عزيز بشاي» بقصيدةٍ وفاءً له.