رجلٌ أثار مسارُه الفكري والديني جدلًا واسعًا، وعلى الرغم من جُل ما كابَده، فإن دعوتَه تجاوزت حدودَ الأوطان والقوميات، لتشملَ العالَم الإسلامي بأسره. كانت مصر وطنًا ثانيًا له، فيها استقام منبرُه، ولها عمل لتخطو في طريق نهضتها، فخاض غِمارَ السياسة المصرية، وقاوَم الاحتلال الإنجليزي بحِدَّة قلمه، فأنشأ جريدة «العروة الوثقى» التي كان لها صدًى واسع؛ فبحزم الرأي فيها وصلابة لُغتها وبديع إنشائها، أصبحَت منهاجًا صحافيًّا شاع على ألسنة الكُتاب وأسِنَّة أقلامهم، وخلقَت جيلًا كاملًا من مُعتنِقي عقيدة الوطن في أبهى صُورها. هل كان «جمال الدين الأفغاني» أفغانيًّا بالفعل أم إيرانيًّا؟ سُنيًّا أم شيعيًّا؟ وهل كان سياسيًّا مُحنكًا أم رجلَ دين؟ أسئلةٌ عديدة طُرِحت حوله، يجيب عن بعضها «عبد القادر المغربي» من خلال حكاياته عن الشيخ الذي أَحبَّه، والصَّديق الذي ارتاد مَجالسَه.
عبد القادر المغربي: يُعَدُّ واحدًا من أبرز علماء اللغة والأدب في سوريا في القرن التاسع عشر. وُلِد «عبد القادر بن مصطفى المغربي الطرابلسي» التونسي الأصل في اللاذقية بسوريا عامَ ١٨٦٧م، ونشأ في طرابلس الشام. وهو من أسرة علمية عريقة في الدين والقضاء؛ تولَّى والده نيابةَ قضاءِ «اللاذقية» و«طرابلس الشام»، ونيابةَ محكمةِ الميدان الشرعي بدمشق. تلقَّى «المغربي» تعليمه الأوَّليَّ على يد أبيه وبعض كبار العلماء في «دمشق» و«القسطنطينية»، وختم القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، كما كان من أبرز تلامذة الشيخ «حسين الجسر» الذي أطلَعَه على الثقافة الإسلامية والعلوم الطبيعية والفلسفية. وكان له اطِّلاعٌ كذلك على جريدة «العروة الوثقى» التي كانت تصدر بباريس على يد «جمال الدين الأفغاني» و«محمد عبده»، والتي تأثَّرَ بها كثيرًا من المناحي الفكرية واللغوية. عمِل بالصحافة عقِبَ انتقالِه إلى مصر عامَ ١٩٠٥م، وكتب العديد من المقالات المهمة في كُبرَيات الجرائد. ولما أُعلِن الدستور العثماني عامَ ١٩٠٨م عاد مرةً ثانية إلى طرابلس، وهناك أصدَرَ جريدة «البرهان»، ولكنه أغلَقَها عند بداية الحرب العالمية الأولى ١٩١٤م. بعدها تولَّى التحرير في جريدة «الشرق» عامَ ١٩١٦م، وظلَّ بها حتى نهاية الحرب. كما كان عضوًا في المَجمع العلمي العربي بمصر، فنائبًا له، وشارَكَ في تأسيس «الكلية الصلاحية» التي أنشأتها وزارة الأوقاف العثمانية في بيت المقدس عامَ ١٩١٥م. كذلك عُيِّن مُحاضِرًا في اللغة العربية وآدابها في كلية الحقوق بالجامعة السورية، واختير عضوًا في المَجمع العلمي في العراق عامَ ١٩٤١م، كما تولَّى رئاسةَ المَجمع اللغوي بدمشق. ألَّفَ العديدَ من المُؤلَّفات الأدبية المهمة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: «الاشتقاق والتعريب»، و«البينات»، و«الأخلاق والواجبات»، و«مذكرات جمال الدين الأفغاني»، و«عثرات اللسان في اللغة»، و«على هامش التفسير». قُبَيل وفاته أُصِيب في حادثٍ مروريٍّ أثناء وجوده بالقاهرة، وعُولِج في أحد مستشفياتها زُهاءَ ثلاثة أشهر، سافَرَ بعدها إلى دمشق، لكنه لم يَعِشْ طويلًا، وتُوفِّي بها عامَ ١٩٥٦م.