«وتظهر دلالة الأفغاني في عصر الاستقطاب بين خطابَين سائدَين في الفكر العربي المعاصِر؛ الخطابِ السَّلَفي الذي يعرف كيف يقول ولا يعرف ماذا يقول، والخطابِ العلماني الذي يعرف ماذا يقول ولا يعرف كيف يقول. إذ يقدِّم الأفغاني الخطابَ الثالث الذي يعرف كيف يقول ويعرف ماذا يقول. وهو الخطاب الذي حاوَل اليسار الإسلامي إعادةَ صياغته في أوائل الثمانينيات في بداية الاستقطاب.»يتناول «حسن حنفي» في هذا الكتاب تجرِبةَ «جمال الدين الأفغاني»، بمناسبة مرور مائة عام على وفاته؛ باعتباره الأبَ الروحي للإسلام الثوري، وصاحبَ الحركة النهضوية الفكرية والاجتماعية التي عرفها العالَم العربي والإسلامي في القرن التاسع عشر، والتي كان لها صدًى واسعٌ في مصر على نحوٍ خاص؛ فقد تأثَّر بأفكاره رجالُ الثورة العُرابية، ليحملَ اللواءَ من بعده أجيالٌ متعاقِبة بدأَت بتلميذه «محمد عبده»، ثم تلامذته «قاسم أمين»، و«علي عبد الرازق»، و«سعد زغلول»، و«محمد رشيد رضا» أستاذ «حسن البنا»، ليدخل الإسلامُ الثوريُّ في خمسينيات القرن الماضي وما تلاه مرحلةً جديدة حادت تمامًا عن فكر «الأفغاني»، وهي مرحلة التفكير السَّلَفي التكفيري. ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي تُعيد إلى الأذهان «الأفغاني» من جديد. وقد ركَّز «حنفي» في كتابه على مَعالم شخصية «الأفغاني» وأفكاره وتعاليمه وجهوده الرامية نحوَ جامعةٍ إسلامية تُجابِه الاستعمارَ في الخارج والقمعَ في الداخل.
حسن حنفي: مُفكِّرٌ وفَيلسُوفٌ مِصري، له العديدُ مِنَ الإسهاماتِ الفِكريةِ في تطوُّرِ الفكرِ العربيِّ الفَلسفي، وصاحبُ مشروعٍ فَلسفيٍّ مُتكامِل. وُلِدَ حسن حنفي بالقاهرةِ عامَ ١٩٣٥م، وحصَلَ على ليسانسِ الآدابِ بقِسمِ الفلسفةِ عامَ ١٩٥٦م، ثُمَّ سافَرَ إلى فرنسا على نفقتِهِ الخاصَّة، وحصَلَ على الدكتوراه في الفلسَفةِ مِن جامعةِ السوربون. رأَسَ قسمَ الفلسفةِ بكليةِ الآدابِ جامِعةِ القاهِرة، وكانَ مَحطَّ اهتمامِ العديدِ مِن الجامعاتِ العربيَّةِ والعالَميَّة؛ حيثُ درَّسَ بعدَّةِ جامِعاتٍ في المَغربِ وتونسَ والجزائرِ وألمانيا وأمريكا واليابان. انصبَّ جُلُّ اهتمامِ الدكتور حسن حنفي على قضيَّةِ «التراثِ والتَّجديد». يَنقسِمُ مشروعُهُ الأكبرُ إلى ثلاثَةِ مُستويات: يُخاطبُ الأولُ منها المُتخصِّصين، وقد حرصَ ألَّا يُغادرَ أروِقةَ الجامعاتِ والمعاهِدِ العِلمية؛ والثاني للفَلاسفةِ والمُثقَّفين، بغرضِ نشرِ الوعْيِ الفَلسفيِّ وبيانِ أثرِ المشروعِ في الثَّقافة؛ والأخيرُ للعامَّة، بغرضِ تَحويلِ المَشروعِ إلى ثقافةٍ شعبيَّةٍ سياسيَّة. للدكتور حسن حنفي العديدُ من المُؤلَّفاتِ تحتَ مظلَّةِ مَشروعِهِ «التراث والتجديد»؛ منها: «نماذج مِن الفلسفةِ المسيحيَّةِ في العصرِ الوسيط»، و«اليَسار الإسلامي»، و«مُقدمة في عِلمِ الاستغراب»، و«مِنَ العقيدةِ إلى الثَّوْرة»، و«مِنَ الفناءِ إلى البقاء». حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزةِ الدولةِ التقديريةِ في العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠٠٩م، وجائزةِ النِّيلِ فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠١٥م، وجائزةِ المُفكِّرِ الحرِّ من بولندا وتسلَّمَها مِن رئيسِ البلادِ رسميًّا. وعكف الدكتور حسن حنفي بقية حياته على كتابةِ الأجزاءِ النهائيةِ من مَشروعِهِ «التراث والتجديد» بمَكتبتِهِ التي أنشَأَها في بيتِه. رحل الدكتور حسن حنفي عن دنيانا في ٢١ أكتوبر عام ٢٠٢١ عن عمرٍ يناهز ٨٦ عامًا تاركًا خلفه إرثًا فكريًا عظيمًا ومشروعًا فلسفيًا ثريًا سيظل علامةً بارزة في تاريخ الفكر العربي الحديث.