يَعرِفُ القارِئُ ما كانَ فِي حَياةِ «عَميدِ الأَدبِ العَربيِّ» مِن كِفاحٍ وجِهادٍ مُنذُ طُفولتِه؛ فظُروفُه لمْ تَكُنْ بِالمِثالِيةِ أبدًا، وبِخاصَّةٍ مَعَ حِرمانِهِ مِن نِعْمةِ البَصَر. وقَدْ حَكى فِي كِتابِه الشَّهيرِ «الأيَّام» كَيفَ كانَ إِصرارُه ودَأبُه فِي طَلبِ العِلمِ يَفُوقانِ أَقرانَه مِنَ المُبصِرِين؛ فلمْ يَكتَفِ بتَعلِيمِه الأَزهَريِّ عَلى مَا كانَ فِيهِ مِن مَشاقَّ، بَلِ التَحقَ ﺑ «الجَامِعةِ المِصرِيةِ» النَّاشِئة، وأهَّلَهُ تَفوُّقُه لمُواصَلةِ التَّعلُّم ﺑ «السُّوربُون» فِي فَرنْسا. ولمْ يَكدْ يَحصُلُ عَلى دَرجةِ «الدُّكتُورَاه» حتَّى عادَ إِلَى وَطنِه لِيَبدَأَ مَرحَلةً جَدِيدةً مِنَ النِّضالِ والكِفَاح؛ حَيثُ أَصبحَ مَهمُومًا أَكثرَ بِقَضايَا وَطنِه واسْتِقلالِه، فاخْتارَ أَنْ يَكونَ إِسهَامُه بِالكَلِمةِ والفِكرَةِ وتَعلِيمِ أَبناءِ وَطنِه؛ فَقضِيةُ التَّعلِيمِ ظَلَّتْ لآخِرِ يَومٍ فِي حَياتِهِ قَضِيةً كُبرَى لَا يَسبِقُها شَيء، فَهُو يَراهُ السَّبِيلَ الوَحِيدةَ لتَحقِيقِ نَهضةٍ وَطنِيةٍ حَقيقِيةٍ عَلى أُسسٍ ثَابِتة. «مَا بَعدَ الأَيَّام» يَستَكمِلُ قِصةَ كِفاحِ رجُلٍ أَلِفَ الصِّعابَ واسْتَعذَبَ تَحدِّيَها؛ إِنَّه «طه حسين».
محمد حسن الزيات: وَزيرُ خارِجيةِ مصرَ الأسبقُ قُبيلَ اندِلاعِ حربِ أكتوبر ١٩٧٣م، وزوْجُ السَّيدَة أمينة ابنَة عميدِ الأدبِ العَربيِّ «طه حسين»، عاشَ حَياةً سِياسِيةً حَافِلة، وتقلَّدَ أَرفعَ المناصِبِ السِّياسِية، وحصَلَ على عدةِ جَوائزَ وتَكرِيمات. وُلد في قريةِ النَّاصرةِ بمُحافَظةِ دمياط عامَ ١٩١٥م. حصَلَ على ليسانسِ الآدابِ بِقِسمِ اللُّغةِ العَربيةِ من جامعةِ القاهرةِ عَامَ ١٩٣٩م، ودَرجةِ الماجستيرِ في الآدَابِ تَحتَ إِشرافِ عميدِ الأدبِ العَربيِّ «طه حسين» عامَ ١٩٤٣م، وحصَلَ على الدكتوراه من جامعةِ أكسفورد عامَ ١٩٤٥م. بَدأَ عَملَهُ الجامِعيَّ في جامعةِ الإسكندرية، وبَعدَها انتَقلَ لِلعملِ بالتَّدريسِ في جامعةِ القاهرة، وفِيها رُقِّيَ إلى درجةِ أستاذٍ مُساعِدٍ في الدِّراساتِ الشَّرقية. عُيِّنَ سكرتيرًا أولَ لسِفارةِ مصرَ في واشنطن عامَ ١٩٥٢م، وفي عامِ ١٩٥٥م اختِيرَ رئيسًا لبعثةِ مصرَ في طهران حتَّى وُقوعِ العُدوانِ الثُّلاثيِّ على مصر، وفِي عامِ ١٩٥٧م عُيِّنَ مندُوبًا في المجلسِ الاستِشاريِّ للصومال، وشاركَ بجُهودِهِ الدِّبلومَاسيةِ في استِقلالِها. وفي عامِ ١٩٦٠م عُيِّنَ مَندُوبًا لمصرَ في الأُممِ المُتحِدة، كمَا اختِيرَ سَفيرًا لمصرَ في الهند ونيبال عامَ ١٩٦٤م. إلى جانبِ هَذا، عُيِّنَ وَكيلًا لوزَارةِ الخارِجيةِ المصريةِ ومَسئُولًا عَن شُئونِ الدُّولِ العربيةِ وفلسطين وأفريقيا. كذَلكَ تَولَّى رِئاسةَ الهَيئةِ العامَّةِ للاستِعلامَاتِ، وذَلكَ فِي أَعقابِ نَكسةِ ١٩٦٧م، وفي عامِ ١٩٦٩م عُيِّنَ مَندُوبًا دائمًا لمصرَ في الأُممِ المُتحِدة، كمَا تَولَّى وزَارةَ الدَّولةِ للإِعلامِ ووزَارةَ الخارِجية، وذَلكَ خِلالَ عامَيْ ١٩٧٢ و١٩٧٣م. كانَ مُستَشارًا لرئيسِ الجُمهوريةِ حتَّى وصلَ إلى سِنِّ التقاعُدِ في عامِ ١٩٧٥م، وأخِيرًا تولَّى رئاسةَ «جمعية الصَّداقة المصرية الهندية» بالقاهرة، وذَلكَ في عامِ ١٩٨٩م، وظلَّ بها حتَّى وفاتِه. له مؤلَّفٌ واحدٌ بعُنوان: «ما بعد الأيام» عن حَياةِ طه حسين. ورَحلَ «محمد الزيات» عن عالَمِنا في عامِ ١٩٩٣م، ومِن بينِ الجوائزِ التي تلقَّاها في حياتِه: «وسام الجُمهورية مِن الطَّبقة الثَّانية» عامَ ١٩٦٤م، و«نَجمة الصُّومال» عامَ ١٩٦٧م، و«وشاح النِّيل» عامَ ١٩٧٥م.