يُعدُّ تطوُّر الجنس البشري من أكثرِ المسائلِ العِلميةِ المثيرةِ للجدل، وإن كانت نظريةُ «داروين» في التطوُّرِ هي الأشهرَ في هذا المِضمار، غيرَ أنها لم تَحسمِ الأمر. لا شكَّ أن البحثَ عن المجهولِ يُثيرُ دائمًا مَلَكةَ الفضولِ وحُبَّ المعرفةِ لدى الإنسانِ بصفةٍ عامة، والباحثين والعلماءِ بصفةٍ خاصة؛ ومن هذا المنطلقِ شُغفَ الكثيرُ من الباحثين في عدةِ مجالاتٍ، كالطبِّ والاجتماعِ واللُّغات، بالبحثِ عن أصلِ الإنسانِ وكيفيةِ تطوُّرِه، سواءٌ في ذاتِه أو عند مقارَنتِه بغيرِه من الكائنات. من هذه الرغبةِ انطلقَ دكتورُ التشريحِ «أحمد البطراوي» ليُقدِّمَ للقارئِ العربيِّ رؤيتَه حول التطوُّرِ الإنساني، مستخدِمًا عِلمَ التشريحِ ليُقارِنَ بين الجنسِ البشريِّ وغيرِه من الكائنات، لا سيما القريبةُ الشبَهِ بالإنسانِ الحديث؛ «القِرَدةُ العُليا». ثم يَتعرضُ المؤلِّفُ للحديثِ عن سكانِ مِصرَ منذ عصرِ ما قبل التاريخِ حتى العصرِ الحديث، وعن نبوغِ «علم التشريح» لدى القدماءِ المِصريين ومقدارِ ما قدَّموه من تطوُّرٍ في هذا العِلم.
أحمد البطراوي: طبيبٌ ومترجِمٌ مِصري، وأحدُ الداعِمين لتعريبِ العلومِ وتدريسِ الطبِّ باللغةِ العربية، وأولُ رئيسٍ مِصريٍّ لقسمِ التشريحِ بكليةِ طبِّ القصرِ العيني. وُلدَ «أحمد محمود البطراوي» في محافظةِ المنوفية بمِصرَ عامَ ١٩٠٢م، لأبٍ يعملُ بالتدريسِ في مدرسةِ دارِ العلومِ العُليا. منذ طفولتِه المبكرةِ درسَ القرآنَ ومبادئَ اللغةِ العربيةِ في الكُتَّاب، ثم سافَرَ إلى القاهرةِ وحصلَ على الشهادةِ الثانويةِ من هناك ليلتحقَ بمدرسةِ الطبِّ العُليا بالقصرِ العيني، وتخرَّج عامَ ١٩٢٦م، وعملَ في وزارةِ الصحة، واختِيرَ ليكونَ أحدَ أعضاءِ بعثةٍ أثريةٍ لإنقاذِ آبارِ أسوان قبل البدءِ في عمليةِ خزَّانِ أسوان. وحصلَ بعد ذلك على درجةِ الدكتوراه في علمِ التشريحِ البشريِّ وعلمِ الأجناسِ البشرية، ليعودَ للتدرُّجِ في العملِ بالسلكِ الجامعيِّ لطبِّ القصرِ العيني بقسمِ التشريح، حتى أصبحَ رئيسَ القسم. أقامَ الدكتورُ «أحمد البطراوي» دعوةً إلى تعريبِ الطب، ليُدرَّسَ باللغةِ العربية، فترجمَ بالتعاونِ مع مجموعةٍ من زملائِه كتابًا يُعَدُّ من أهمِّ المراجعِ العلميةِ في علمِ التشريح، وهو كتابُ «مُعجم شرف للمصطلحات الطبية»، وكان نصيبُه ثُلثَ الكتابِ الذي يقعُ في حوالَي ألفِ صفحة. كما ساهَمَ في ترجمةِ علومِ الأحياءِ الزراعية. وعلى أثرِ ذلك اختِيرَ ليكونَ عضوًا في مَجمعِ اللغةِ العربيةِ عامَ ١٩٦٣م. كما كانَ له نشاطٌ علميٌّ واسع؛ فقد كان أحدَ أعضاءِ «جمعية علم الحيوان المصرية»، وبعد ذلك أصبحَ وكيلًا لها، بالإضافةِ إلى عضويتِه في «المَجمع المصري للثقافة العلمية»، و«أكاديمية العلوم المصرية»، و«جمعية تاريخ الطب». وللدكتورِ «أحمد البطراوي» مجموعةٌ من الكتبِ والأبحاثِ والدراساتِ والتقاريرِ العِلمية، بالإنجليزيةِ والعربية، منها كتابُ «تطوُّر الجنس البشري»، وكتابُ «الجنس البشري في معرض الأحياء»، وكتابُ «على هامش تاريخ الطب»، وكتابُ «سُكان الصحراء الغربية». تُوفِّي الدكتورُ «أحمد البطراوي» عامَ ١٩٦٤م، تارِكًا إرثًا علميًّا كبيرًا.