يَزخَرُ هذا الكتابُ بالكثيرِ من المعلوماتِ المهمَّةِ عن تاريخِ الطيران، ومراحلِ تطوُّرِه، بدايةً من اختراعِ الطائراتِ الوَرقيَّة، وانتهاءً بالطائراتِ الثقيلةِ في بداياتِ القرنِ العشرين. «الطيرانُ» فكرةٌ قديمةٌ تَرجعُ إلى آلافِ السنين، فمنذ أن وُجدَ الإنسانُ وهو يَحلمُ دومًا بالتحليقِ عاليًا في السماءِ مثلَ الطيور، وقد حاولَ مرارًا وتَكرارًا أن يفعلَ ذلك باستخدامِ الجَناحَينِ المُـرفرفَين، لكنْ لم يُكتَب لمُحاولاتِه النجاح، وخيرُ شاهدٍ على ذلك ما نُشاهِدُه من رسومٍ على جُدرانِ المعابدِ القديمة، وما نَسمعُه ونقرؤُه من حكاياتٍ وأساطيرَ تمَّ تناقُلُها عبرَ الأجيال، لعلَّ أشهرَها محاولةُ الطيرانِ التي نفَّذَها «عبَّاس بن فرناس» الأندلسي، ولكنْ مع مرورِ الزمنِ نجحَ الإنسانُ في أن يُحولَ حُلمَه وخيالَه إلى واقعٍ ملموس؛ حيث توصَّلَ إلى فكرةِ المُنطادِ وطوَّرَها في القرنِ الثامنَ عشَر، ومن ثَمَّ ظهرَت الطائرات، وأصبحَ هناك تسابقٌ دوليٌّ لتطويرِها وتحسينِها منذ بَدءِ الحربِ العالَميةِ الأُولى. كلُّ هذا وأكثرُ يُحدثُنا عنه «أحمد عبد السلام الكرداني» طيَّ هذا الكتاب، مناقِشًا أيضًا أهميةَ الطيرانِ بالنسبةِ إلى مِصر.
أحمد عبد السلام الكرداني: أولُ مصريٍّ يحصلُ على دكتوراه ميكانيكا الطيران، وأولُ مَن خطَّطَ لمشروعِ طيرانٍ مصريٍّ متكامِل. ابتُعثَ «أحمد عبد السلام الكرداني» لدراسةِ الرياضياتِ في بريطانيا، ولكنه بدلًا من ذلك درسَ الطيرانَ وحصلَ على الدكتوراه في ميكانيكا الطيرانِ عامَ ١٩٢٤م، وحينما عادَ إلى مصرَ بدأَ في تقديمِ مشروعٍ متكاملٍ للطيرانِ في مصر، فعملَ على استقلاليةِ سلاحِ الطيرانِ المصريِّ عن الطيرانِ البريطاني، بحيث تُديرُه هيئةٌ مستقلةٌ من المصريين، واقترحَ تأسيسَ مدرسةٍ للطيرانِ ليتدرَّبَ بها الطَّلبة، كما اقترحَ إنشاءَ هيئةٍ للطيرانِ المدنيِّ لنقلِ الناسِ والبضائع. وكلَّفته الحكومةُ بالتفاوضِ مع شركاتٍ فرنسيةٍ لشراءِ الطائراتِ اللازمة، غيرَ أن مقتلَ السردارِ البريطانيِّ في السودان واستقالةَ حكومةِ «سعد زغلول» وما تبعَها من عقوباتٍ على مِصر؛ قد أودى بالفكرةِ كلها. وحينما يئسَ «الكرداني» من تنفيذِ مُقترحِه اتَّجهَ إلى التربيةِ والتعليمِ ليُعلمَ جيلًا جديدًا. كما شاركَ «أحمدَ أمين» و«أحمدَ حسن الزيات» في إثراءِ الحركةِ الثقافيةِ في مِصرَ من خلالِ تأسيسِ لجنةِ التأليفِ والترجمةِ والنشر، فضلًا عن مشاركتِه في تأسيسِ رابطةِ التربيةِ الحديثةِ للوقوفِ على أحدثِ النظرياتِ التربويةِ وتطبيقِها في مِصر.