طالما شغل بالَ الإنسان ما يراه من الكواكب والأجرام السماوية، فسعى منذ القِدم إلى فَهم كُنهها وعلاقتها بحياته؛ فظهورُها وأُفولها في اليوم والليلة أدهشه، ودفعه الجهل إلى أن يظن أنها آلهة تُراقبه من عَليائها، فتقرب إليها بالعبادات وأقام لها المعابد. وبمرور الزمن، نضج الفكر الإنساني وتراكمت المعرفة البشرية، فأخذ الإنسان يُصحح رؤيته للأجرام السماوية التي تحيطه، وللأرض التي يعيش عليها، لتتوالى التفسيرات منذ عهد اليونان القدماء الذين رأَوا في الأرض مركزًا للكون تَطُوف حوله الشموس والكواكب. ومع تحلُّل الإنسان من سلطان المعرفة الدينية، ظهرت تفسيراتٌ أكثر عمقًا وصحةً للكون الذي نعيش فيه، ليتبلور علم الفلك ويصبح مَبحثًا دقيقًا يعتمد في نظرياته على الكثير من القوانين الرياضية والفيزيائية المُعقدة. والكتاب الذي بين يَديك يُبسط فيه المؤلِّف بعضًا من حقائق علم الفلك، بأسلوب سهل يناسب القارئ العادي غير المُتخصص.
يعقوب صرُّوف: عالِم وأديب وصحفي لبناني، كان واسعَ الاطِّلاع موسوعيَّ المعرفة. أسَّس مجلة «المقتطف» الأدبية والعلمية الشهيرة، ورأَس تحريرَها حتى وفاته، كما شارك في إصدار جرائد شهيرة أخرى ﮐ «المقطم». وُلِد «صروف» عام ١٨٥٢م في قرية الحدث بلبنان، وتلقَّى علومه الأولى في «مدرسة الأمريكان»، ثم أرسله والده إلى «الجامعة الأمريكية» ببيروت فتخرَّج فيها عام ١٨٧٠م، وتولَّى رئاسة فرعَي «مدرسة الأمريكان» بصيدا وطرابلس وإدارتهما، ثم أنشأ مجلة «المقتطف» مع الأديب اللبناني «فارس نمر» عام ١٨٧٦م؛ حيث توالى إصدارُها تسع سنوات من بيروت، ثم انتقلت إلى القاهرة حيث ظل «صروف» يُشرِف عليها حتى وفاته. وقد نالت هذه المجلة شهرة واسعة في الدول العربية؛ وذلك لتنوُّع موضوعاتها بين الأدب واللغة والعلوم الحديثة، فكانت تنشر موضوعات رصينة لصفوة كُتاب تلك الفترة، فعُدَّت من أبرز العلامات المضيئة التي تركها «صروف» في الساحة الأدبية والعلمية. كان «صروف» يملك روحَ العالِم المحقِّق ودأبَ الباحث؛ حيث كان يقضي الساعات الطوال بالمكتبات العامة يقرأ ويدرس ويبحث المسائل العلمية والفلسفية، وكان مهتمًّا بالعلوم الطبيعية كالرياضيات والكيمياء، وكذلك بعلوم الفلك؛ لذلك نجده قد نشر العديد من المقالات العلمية التي تناولت النظريات العلمية الحديثة في المجالات التي سبق ذكرها، بأسلوب علمي غير جافٍّ ولا يخلو من الجاذبية والصنعة الأدبية، فكانت مقالاته التي يكتبها هي مشروعه التنويري الخاص؛ حيث أسهَم في حركة نقل العلوم والمعارف والأفكار الفلسفية الحديثة إلى اللغة العربية، فحُقَّ فيه القول بأنه كان من أبرز رجال النهضة العلمية الحديثة التي أنارت العالَم العربي. تُوفِّي «صروف» عام ١٩٢٧م عن عمر يُناهز الخامسة والسبعين، ليترك ميراثًا علميًّا وأدبيًّا عظيمًا للأمة العربية.