«لا بدَّ أن تكونَ الغَريزة، والغَريزةُ وحدَها، هي التي تَدفعُ تلك الطيورَ إلى تلك البُقعةِ بالذات، وإلا فكيفَ نُفسِّرُ أمرَ الطائرِ الذي يصلُ من حوضِ نهرِ الزمبيزي في جنوبِ أفريقيا لا إلى مُقاطَعةٍ في النرويجِ أو بلدةٍ منها أو شجرةٍ من أشجارِ تلك البلدة، بل إلى نفسِ غُصنِ الشجرةِ الذي فقَسَ عليه!» تَعكسُ الطيورُ والأسماكُ والثديياتُ وغيرُها من الكائناتِ تعقُّدَ نظامِ الحياةِ وديناميَّتَه. وهذا الكتابُ يَكشفُ عن أحدِ مَظاهرِ هذا النظامِ حين يَتناولُ ظاهرةَ الهجرةِ في مَملكةِ الحيوان، فيَكشفُ عن التكيُّفِ الفِطريِّ والتلقائيِّ للكائناتِ على مُختلِفِ درجاتِها وفئاتِها، وما يُعانِيه بعضُ هذه الكائنات، حتى إنَّها أحيانًا تَفقدُ حياتَها في سبيلِ هِجرتِها بحثًا عن القُوتِ والمُناخِ المُلائِم، كما تتبايَنُ المسافاتُ التي تقطعُها مُهاجِرةً؛ بين المسافاتِ القصيرةِ التي تَستغرِقُ بضعَ ساعات، والمسافاتِ الطويلةِ التي تَستغرِقُ بضعةَ أشهُر.
أحمد حماد الحسيني: هو من الرعيل الأول لعلم الحيوان والتشريح المقارن في مصر. وُلد «أحمد حماد الحسيني» بمحافظة أسيوط عام ١٩١٢م. كرَّس منذ بداية حياته العلمية جُل وقته واهتمامه لعلم الحيوان؛ فحصل على الماجستير من كلية العلوم جامعة القاهرة، ونال درجة الدكتوراه من جامعة شيفلد بالمملكة المتحدة، وظل يترقى في حياته الأكاديمية حتى تولى رئاسة قسم الحيوان بكلية العلوم جامعة عين شمس. وللدكتور العديدُ من المؤلَّفات، منها: «ثدييات مصر البحرية»، و«طيور مصر»، و«علم الحيوان العام»؛ ومن ترجماته: «العلم في حياتنا اليومية» من تأليف «مونتجومري»، و«الحياة منذ كانت» من تأليف «باركر»، وغيرهما. وقد أطلقت كلية العلوم اسمَه على أحد مدرجاتها تكريمًا لعطائه العلمي. وعلى الرغم من وفاة الدكتور «الحسيني» عام ١٩٦٤م، فإن إسهاماته العلمية ما زالت تُشكل مرجعًا أساسيًّا للمُتخصص والقارئ العادي.