مع محاولات تأقلُم الإنسان مع الطبيعة وبحثه الدائم عن القوت، وجد مُصادفةً بعضَ النباتات التي تُداوي الجروح، وبعض الأعشاب والتوابل التي تشفي الآلام، فاستخدمها وورَّثها لأولاده؛ ومن هنا ظهر علم الصيدلة في صورته البدائية؛ ومن ثَمَّ اكتشف المصريون القدماء العديد من الخلطات والوصفات التي عزَّزت هذا العلم؛ حيث وجد باحثو الآثار الكثيرَ من القراطيس البردية التي كان يبعثها القساوسة الأطباء إلى القساوسة الصيادلة في معابد «إيزيس»، محتويةً على الوصفات الكيميائية الدقيقة المناسِبة لحالة كل مريض، وظهرت ركائزُ علم الصيدلة أيضًا في الصين، وفي بابل وآشور، وفي فارس، وشهدت بلاد اليونان تقدمًا في اكتشاف خواصِّ العقاقير وتأثيرها، كما ازدهر تركيب العقاقير عند علماء العرب. الصيدلةُ إذَن علمٌ واسع وأصيل، وقد جمع «صابر جبرة» كل الآثار المتعلقة بهذا العلم في كتابه «تاريخ الصيدلة».
د. صابر جبرة: عالم مصري، تخصَّص في تاريخ علم العقاقير، وجمَع في دراساته بين الطب والأدب والتاريخ. وُلد «صابر جبرة» في «أبو تيج» بمحافظة أسيوط في عام ١٩٠٨م، وكانت عائلته من أكبر وأغنى العائلات بالمنطقة. التحق بمدرسة القرية، ثم انتقل إلى المحافظة ليُنهي تعليمه الثانوي. بعد ذلك التحق بكلية الطب، ثم تخصَّص في الصيدلة بعد السنة الإعدادية (كما كان النظام في ذلك الوقت)، وحصل على بكالوريوس الصيدلة عام ١٩٣٢م. نال جائزة «مظلوم بك» مكافأةً له لحصوله على الترتيب الأول طوال سنوات الدراسة، ثم حصل على جائزة «بحري بك» لتفوُّقه في علم خواص العقاقير. بعد مرور عامين لم يتسنَّ للدكتور «صابر» استكمالُ دراساته العليا، فعُيِّن صيدليًّا بأول فوج مصري بمستشفيات الجامعة، بعد أن كانت تلك المهنة تقتصر على الأجانب فقط، وتدرَّج في المناصب حتى أصبح صيدليًّا أولَ بمستشفى القصر العيني. في عام ١٩٣٥م انتدبه الدكتور «بحري بك» للإشراف على مَعامِله التي كانت الأكبرَ في مصر في ذلك الوقت. ثم حصل «جبرة» على دبلوم تحليل العقاقير عام ١٩٤٣م، كما حصل في عام ١٩٤٤م على دبلوم الآثار. ربط «صابر جبرة» بين دراسة علوم العقاقير والآثار، فحصل على الدكتوراه في عام ١٩٥١م من كلية الآداب، وجمع في رسالته بين الأدب والطب والصيدلة واللغات؛ مما جعل منها رسالةً فريدة من نوعها؛ فحصد جائزة «كامل بولس حنا» لصاحب أفضل رسالة دكتوراه قُدِّمت بين عامَي ١٩٤٩م و١٩٥٥م. كان للدكتور «صابر» نشاط واسع في كتابة الأبحاث العلمية ونَشْرها بمجلة جمعية الصيدلة ونشرات المَجْمع العلمي، وقد انتُدِب لتقديم محاضرات بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة، ثم جامعة الإسكندرية. نُشِر العديد من المطبوعات ﻟ «صابر جبرة» في تاريخ الطب والصيدلة بالعربية والإنجليزية، ومن أشهر مؤلَّفاته كتاب «مصر ورَكْب الحضارة»؛ وهو بحث في تاريخ العلوم الصيدلانية والكيميائية. بالإضافة إلى ذلك أسهَم «صابر جبرة» في العديد من المؤسسات الاجتماعية، مثل: «مستشفى هرمل» و«الجمعية الخيرية القبطية»، واستمر في العطاء العلمي والفكري حتى وافته المَنِية عام ١٩٥٧م.