«ذكرياتٌ عبَرت أُفق خياليبارقًا يَلمع في جُنحِ الليالينبَّهت قلبي من غَفوتهوجَلَت لي سِترَ أيامي الخَواليكيف أنساها وقلبيلم يَزل يَسكن جَنبيإنها قِصة حبي»بهذه الأبيات التي نظَمها «أحمد رامي» وشَدَت بها «أم كلثوم»، افتتح الدكتور «حسن حنفي» الجزءَ الثاني من سِيرته الذاتية التي اختار لها هذا العنوانَ الأثير «ذكريات»؛ فأبحَر بقاربِ الحنين ومِجداف الشوق إلى الوراء ليستطلِع ذلك العالَم الذي عاشه، والذي شكَّل مَشاعره وفلسفته ومَواقِفه؛ وقدَّم لنا صيدًا ثمينًا وغنيًّا نتعرَّف من خلاله على أهم المحطات الرئيسية والتفاصيل المهمة في حياته؛ فيَصعد بنا من طفولته الغنية بالتفاصيل البِكْر، والنظرةِ الأولى للمألوف، وتجريده من ثوب الاعتيادية الذي يحجب جوهرَه وحقيقته؛ إلى النُّضج الفكري، مع الاحتفاظ بالنظرة الأولى التي مكَّنته من مناقَشة القضايا التراثية والفلسفية الكبرى، والتي أدَّت به إلى المثول أمام القضاء للمُساءلة بشأنها. وما بين المحطتَين يروي الكثير من الذكريات الخاصة والعامة، التي شكَّلت الشخصيةَ التي نعرفها اليوم.
حسن حنفي: مُفكِّرٌ وفَيلسُوفٌ مِصري، له العديدُ مِنَ الإسهاماتِ الفِكريةِ في تطوُّرِ الفكرِ العربيِّ الفَلسفي، وصاحبُ مشروعٍ فَلسفيٍّ مُتكامِل. وُلِدَ حسن حنفي بالقاهرةِ عامَ ١٩٣٥م، وحصَلَ على ليسانسِ الآدابِ بقِسمِ الفلسفةِ عامَ ١٩٥٦م، ثُمَّ سافَرَ إلى فرنسا على نفقتِهِ الخاصَّة، وحصَلَ على الدكتوراه في الفلسَفةِ مِن جامعةِ السوربون. رأَسَ قسمَ الفلسفةِ بكليةِ الآدابِ جامِعةِ القاهِرة، وكانَ مَحطَّ اهتمامِ العديدِ مِن الجامعاتِ العربيَّةِ والعالَميَّة؛ حيثُ درَّسَ بعدَّةِ جامِعاتٍ في المَغربِ وتونسَ والجزائرِ وألمانيا وأمريكا واليابان. انصبَّ جُلُّ اهتمامِ الدكتور حسن حنفي على قضيَّةِ «التراثِ والتَّجديد». يَنقسِمُ مشروعُهُ الأكبرُ إلى ثلاثَةِ مُستويات: يُخاطبُ الأولُ منها المُتخصِّصين، وقد حرصَ ألَّا يُغادرَ أروِقةَ الجامعاتِ والمعاهِدِ العِلمية؛ والثاني للفَلاسفةِ والمُثقَّفين، بغرضِ نشرِ الوعْيِ الفَلسفيِّ وبيانِ أثرِ المشروعِ في الثَّقافة؛ والأخيرُ للعامَّة، بغرضِ تَحويلِ المَشروعِ إلى ثقافةٍ شعبيَّةٍ سياسيَّة. للدكتور حسن حنفي العديدُ من المُؤلَّفاتِ تحتَ مظلَّةِ مَشروعِهِ «التراث والتجديد»؛ منها: «نماذج مِن الفلسفةِ المسيحيَّةِ في العصرِ الوسيط»، و«اليَسار الإسلامي»، و«مُقدمة في عِلمِ الاستغراب»، و«مِنَ العقيدةِ إلى الثَّوْرة»، و«مِنَ الفناءِ إلى البقاء». حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزةِ الدولةِ التقديريةِ في العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠٠٩م، وجائزةِ النِّيلِ فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠١٥م، وجائزةِ المُفكِّرِ الحرِّ من بولندا وتسلَّمَها مِن رئيسِ البلادِ رسميًّا. وعكف الدكتور حسن حنفي بقية حياته على كتابةِ الأجزاءِ النهائيةِ من مَشروعِهِ «التراث والتجديد» بمَكتبتِهِ التي أنشَأَها في بيتِه. رحل الدكتور حسن حنفي عن دنيانا في ٢١ أكتوبر عام ٢٠٢١ عن عمرٍ يناهز ٨٦ عامًا تاركًا خلفه إرثًا فكريًا عظيمًا ومشروعًا فلسفيًا ثريًا سيظل علامةً بارزة في تاريخ الفكر العربي الحديث.