بعدَ مُضيِّ أكثرَ من ثمانيةِ قرونٍ لا يزالُ «ابنُ رشد» ميدانًا خصبًا للكثيرِ من الباحِثينَ الذين تناوَلوا ما طرَحَه بالشرحِ والنقد، آمِلينَ الوقوفَ على المنابعِ التي استقَى منها فِكرَه وفلسفتَه، مُتتبِّعينَ صدى ما أثارَه في عالَمِ العصورِ الوُسطى بأوروبا؛ لِما له من فضلٍ كبيرٍ في إحياءِ الفلسفةِ الأرسطيةِ وطرحِها من جديد. وبالطبعِ فإنَّ تأثيرَه في الشرقِ لا يزالُ باقيًا، ويعودُ له الفضلُ في التحرُّرِ من التناقُضِ بينَ الشريعةِ والعقلِ من خلالِ كتابِه «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، حينما أكَّدَ أنَّ كلًّا من الفلسفةِ والدِّينِ يَنشدُ الحقيقةَ فقط. وفي هذا الكتابِ لم يَكتفِ «قنواتي» برَصدِ آثارِ «ابن رشد» فقط، بل تناوَلَ ما طرَحَه المؤلِّفونَ حولَه من دِراساتٍ وأبحاث؛ ممَّا يُضفِي على هذا الكتابِ أهميةً أُخرى.
جورج شحاتة قنواتي: راهِبٌ ومفكِّرٌ مِصري، ومِن روَّادِ الفكرِ في الوطنِ العربي، له إسهاماتٌ في الطبِّ والفلسفةِ واللاهوت. وُلِدَ الأبُ جورج شحاتة قنواتي بالإسكندريةِ عامَ ١٩٠٥م، وأتمَّ دراستَه الثانويةَ بمدارسِ الفرير، ودرَسَ الصيدلةَ بجامعةِ اليسوعيِّينَ ببيروت، والكيمياءَ بجامعةِ ليون بفرنسا، ثم عادَ إلى الإسكندريةِ عامَ ١٩٢٩م، ومارَسَ الصيدلةَ والكيمياءَ لعدةِ سنوات، ثم الْتَحقَ بجامعةِ الدومنيكان ببلجيكا وفرنسا، وتخصَّصَ في الفلسفةِ واللاهوتِ وحصَلَ على الدكتوراه فيهما ثم عادَ إلى مِصر، وعمِلَ بديرِ الآباءِ الدومنيكان، ثم أصبَحَ مُديرًا لمعهدِ الدراساتِ الشرقيَّةِ بالدير، ورئيسَ تحريرِ مجلةِ المعهدِ كاتبًا ومُشرِفًا ومُدقِّقًا لمُحْتواها. كانَ الأبُ قنواتي عضوًا في العديدِ مِنَ اللِّجانِ العلميةِ داخلَ مصرَ وخارجَها، ومُحاضِرًا بالعديدِ مِنَ الجامعاتِ الأوربيَّةِ والعربيَّة، وقد تعلَّقَتْ جلُّ مُحاضَراتِه بالسَّلامِ وحِوارِ الأديان. ترأَّسَ عدةَ لجانٍ عِلْميَّة، منها: لجنةُ الفلسفةِ والاجتماعِ بالمجلسِ الأعلى للثقافة، ولجنةُ تحقيقِ «كتابِ الشفاءِ» لابنِ سينا وكُتبِ ابنِ رُشْد، كما أوفَدَتْه الإدارةُ الثقافيةُ بجامعةِ الدولِ العربيةِ والمنظمةُ العربيةُ للتربيةِ والثقافةِ والعلومِ للبحثِ في مخطوطاتِ ابنِ سينا وابنِ رُشْد. له العديدُ مِن المُؤلَّفاتِ البالغةِ الأهمية، منها: كتابُ «مُؤلَّفات ابنِ سينا»، و«مُؤلَّفات ابنِ رُشْد»، و«تاريخ الصيدلةِ والعقاقيرِ عندَ العرب»، و«المسيحيون في مِصر»، و«المَسيحيَّة والحضارة العربيَّة». تُوفِّيَ عامَ ١٩٩٤م.