«وبعدُ، فهذه نِثارٌ من ذِكرياتي، ما رَجوتُ منها إلا أن أُنادمَك إذا قرأتَها في نهار، أو أُسامرَك إن قرأتَها في مساء، وقد أطلقتُ نفسي تَمتَحُ من مَعينِ الأيامِ ما يَحلو لها، فهي تختارُ ولا تُؤلِّف، والاختيارُ عسيرٌ ولكنَّه ممتعٌ إذا أحسَّ الإنسانُ أنه قالَ ما يجبُ أن يقول.» حين اقتربَت سنُّ «ثروت أباظة» من السِّتين، رأى أن في أيامِه الماضيةِ ما يَستحقُّ أن يُسجَّلَ على سبيلِ الذِّكرى؛ فنشأتُه في بيتِ أحدِ رِجالاتِ السياسةِ المصرية، والدِه «إبراهيم أباظة باشا»، سَمحَت له بالاختلاطِ بعامةِ الناسِ من جهة، وبنُخبةِ المجتمعِ من جهةٍ أخرى. يبدأُ «ثروت أباظة» سَردَ ذكرياتِه من قريتِه «غزالة» حيثُ المراحلُ الأولى من تعليمِه، ثُم يَروي ذكرياتٍ عن أبيه وأمِّه، وعن علاقتِه بالكتابةِ والكُتابِ منذُ سنِّه الصغيرة، ومَدْحِ «العقاد» لهُ وإعجابِ «طه حسين» بهِ، وقضاءِ سهرتِه الأسبوعيةِ مع «نجيب محفوظ»، وصُحبتِه ﻟ «محمد حسين هيكل» في جولاتِه الطويلةِ مشيًا حولَ رأسِ البر؛ فهي مُقتطَفاتٌ لا تُمثِّلُ ذكرياتٍ فرديةً فحسب، بل هي صَفحاتٌ من تاريخِ مِصر.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.