«كانت الحضارة المصرية القديمة بعد تعاقُب الأجيال مخبوءةً في شقوق الجبال والصخور وأعماق الأهرام والمغائر تحت الرمال الداثرة، ومقبوضًا عليها بحراسة أبي الهول، حتى قام بعد مرور خمسة عشر جيلًا أوديبوس آخَر — بنبوغِه النادر وكدِّه الذي لم يَعرف الوهن — بانتزاع الأسرار المصرية المكنونة من بين مَخالب ذلك الرابض القابض.»ظلَّت الحضارة المصرية القديمة لغزًا كبيرًا ومحيِّرًا للعالَم أجمع لقرون عديدة؛ حيث كان الوصولُ إلى حقيقتها ومعرفةُ خباياها أمرًا غيرَ هيِّن، وظلَّ الأمر على هذا النحو إلى أن تمكَّن عالِم المصريات الفرنسي الشهير «جان فرانسوا شامبليون» من فكِّ رموز «حجر رشيد»، الذي كان حتى وقت اكتشافه عام ١٨٢٢م لغزًا لغويًّا عجز العلماء والباحثون عن تفسيره، وبهذا العمل الجليل نجح «شامبليون» في أن يُميطَ اللثام عن الحضارة المصرية العريقة، ويترجِم علومها، ويتعرَّف على تاريخها العقائدي والثقافي، بعد أن استطاع فكَّ طلاسمِ لغتها القديمة. في هذا الكتاب نطَّلِع على حياة «شامبليون» التي لم نكن نعلم عنها سوى الشيء اليسير، كما يستعرض الكتاب أهمَّ إنجازاته وإسهاماته التي ذاعت شهرتُها في الآفاق.
يعقوب موزر: قَسٌّ ومستشرِقٌ كاثوليكي هولندي، عاش في مصر لأكثر من ستة وثلاثين عامًا، كرَّسها كلها للدراسات القبطية والأثرية، وبلغت دراساته أكثر من مائة دراسة بالفرنسية والألمانية والعربية. وُلد القَسُّ «يعقوب لويس لامبرت موزر» في لاهاي بهولندا في عام ١٨٩٦م، ودرس في فرايبورج الألمانية، ثم الْتَحق في عام ١٩١٩م بجمعية الإرساليات التبشيرية الأفريقية في مدينة ليون الفرنسية، وذهب مع إرسالية تبشيرية إلى مصر، وانضمَّ إلى صفوف الكنيسة القبطية الكاثوليكية، ورُسِّم قَسًّا بها في عام ١٩٢١م، وأصبح راعيًا لكنيسة الأقباط الكاثوليك بفاقوس. كان القَسُّ «يعقوب» شديدَ الاهتمام بدراسات الخدمة القبطية، فكتب عن الشعائر القبطية والرَّهْبنة، وعن كبار القساوسة المصريين. وكان له اهتمامٌ خاص بدراسات المخطوطات القبطية، وأعدَّ بالاشتراك مع أحد القساوسة فهرسًا للمخطوطات المحفوظة في كنائس القاهرة. وكذلك كان للقَسِّ «يعقوب» بعض الاهتمام بالدراسات الأثرية، أبرزها كتابه عن العالِم الفرنسي «جان فرنسوا شامبليون»، الذي استعرض فيه حياةَ «شامبليون» وانكبابَه على اللغات القديمة، ثم إنجازه الباهر في فكِّ رموز اللغة الهيروغليفية المصرية، وتعرَّض كذلك إلى رحلات «شامبليون» وأهم تلاميذه. أقام القَسُّ «يعقوب موزر» في مصر طوالَ ما بقي من حياته، وظل نشِطًا في دراساته وخدمته للكنيسة حتى رُسِّم قُمَّصًا في عام ١٩٤٥م، وسافَر إلى روما في نهاية حياته ومات فيها في السادس عشر من أبريل من عام ١٩٥٦م.