تُعدُّ فكرة التحنيط من العلامات البارزة في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، التي ارتبطَت بعقيدة الإحياء والبعث بعد الموت؛ إذ كان المصريون يُدرِكون تمامًا أن الموت ما هو إلا مرحلةٌ انتقالية يمر بها الإنسان من مرحلة الفناء في الدنيا إلى مرحلة الخلود في الآخرة؛ لذلك أبدَوا اهتمامًا كبيرًا بفكرة تحنيط أجسام أمواتهم وحيواناتهم؛ لصيانتها من التحلُّل والضياع والإبقاء على مظهرها وكأنها حية، حتى يَتسنَّى للروح التعرُّف على جسد المُتوفى بعد البعث، وكانوا يرسمون أكثرَ الأشياء المحبَّبة إليهم من المأكولات والمشروبات على المقابر التي أطلقوا عليها «منازل الأبدية»، وشاعت هذه العقيدة شيوعًا عظيمًا في القصص والأساطير الدينية التي جرى تداوُلها عبر الأجيال والعصور المُختلِفة، حتى أصبحت مُلاصقةً لوجدان الشعب المصري القديم. وبين دفَّتَي هذا الكتاب يَتناول «صابر جبرة» تأصُّلَ فكرةِ التحنيط في العقيدة المصرية القديمة، وكيف تَطوَّرت من عصرٍ لآخر، كما يُحدِّثنا عن أهم الطرق وأبرز المواد المستخدَمة فيه.
د. صابر جبرة: عالم مصري، تخصَّص في تاريخ علم العقاقير، وجمَع في دراساته بين الطب والأدب والتاريخ. وُلد «صابر جبرة» في «أبو تيج» بمحافظة أسيوط في عام ١٩٠٨م، وكانت عائلته من أكبر وأغنى العائلات بالمنطقة. التحق بمدرسة القرية، ثم انتقل إلى المحافظة ليُنهي تعليمه الثانوي. بعد ذلك التحق بكلية الطب، ثم تخصَّص في الصيدلة بعد السنة الإعدادية (كما كان النظام في ذلك الوقت)، وحصل على بكالوريوس الصيدلة عام ١٩٣٢م. نال جائزة «مظلوم بك» مكافأةً له لحصوله على الترتيب الأول طوال سنوات الدراسة، ثم حصل على جائزة «بحري بك» لتفوُّقه في علم خواص العقاقير. بعد مرور عامين لم يتسنَّ للدكتور «صابر» استكمالُ دراساته العليا، فعُيِّن صيدليًّا بأول فوج مصري بمستشفيات الجامعة، بعد أن كانت تلك المهنة تقتصر على الأجانب فقط، وتدرَّج في المناصب حتى أصبح صيدليًّا أولَ بمستشفى القصر العيني. في عام ١٩٣٥م انتدبه الدكتور «بحري بك» للإشراف على مَعامِله التي كانت الأكبرَ في مصر في ذلك الوقت. ثم حصل «جبرة» على دبلوم تحليل العقاقير عام ١٩٤٣م، كما حصل في عام ١٩٤٤م على دبلوم الآثار. ربط «صابر جبرة» بين دراسة علوم العقاقير والآثار، فحصل على الدكتوراه في عام ١٩٥١م من كلية الآداب، وجمع في رسالته بين الأدب والطب والصيدلة واللغات؛ مما جعل منها رسالةً فريدة من نوعها؛ فحصد جائزة «كامل بولس حنا» لصاحب أفضل رسالة دكتوراه قُدِّمت بين عامَي ١٩٤٩م و١٩٥٥م. كان للدكتور «صابر» نشاط واسع في كتابة الأبحاث العلمية ونَشْرها بمجلة جمعية الصيدلة ونشرات المَجْمع العلمي، وقد انتُدِب لتقديم محاضرات بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة، ثم جامعة الإسكندرية. نُشِر العديد من المطبوعات ﻟ «صابر جبرة» في تاريخ الطب والصيدلة بالعربية والإنجليزية، ومن أشهر مؤلَّفاته كتاب «مصر ورَكْب الحضارة»؛ وهو بحث في تاريخ العلوم الصيدلانية والكيميائية. بالإضافة إلى ذلك أسهَم «صابر جبرة» في العديد من المؤسسات الاجتماعية، مثل: «مستشفى هرمل» و«الجمعية الخيرية القبطية»، واستمر في العطاء العلمي والفكري حتى وافته المَنِية عام ١٩٥٧م.