«وجوهٌ شاحبة يَكتظُّ بها المكان، مُتوزِّعةٌ على مقاعدَ خشبيةٍ، تحمل تنوُّعًا بشكلٍ غريب في كل الملامح والأعمار، وقَطعًا في الأفكار والانتماءات، لم يَكُن يُوحِّدها شيءٌ سوى الظُّلم الواقع عليها. عيونُها شاخصةٌ إلى اللاشيء، حائرة تنتظر مستقبلًا مجهولًا، بل ولا تدري لماذا هي هنا بالأصل؟!»هكذا يروي «ناهض الهندي» في روايةٍ بديعة وسيمفونيةٍ سوداء تَقطُر ألمًا يستحيلُ أملًا؛ كيف كانت وجوهُ زملائه المعتقَلين في سجون العراق أيامَ بعث «صدام». ومِن خطفِه واعتقالِه من أمام منزله، ومن عيون إخوته وأمامَها؛ إلى مَسلخِ أجهزةِ الأمن العراقية في الثمانينيَّات، ومن سجنٍ إلى آخَر، يروي لنا رحلتَه الإجبارية، التي ما اختارها وما كان ليختارها أيُّ عاقل، وامتدَّت لعشرِ سنواتٍ كاملة، ذاق فيها مع رفاقه، المُكرَهين على أمرهم، كلَّ صنوفِ العذاب من تكبيلٍ وجَلدٍ وضربٍ و«تعليق» خارج إطارِ أيِّ قانون إلا قانون المستبِد وشريعته، وما ذلك إلا لأن عقولهم تجرَّأَت على التفكير في مُعارَضةِ هواه.
ناهض الهندي: كاتب عراقي، وُلد في ١٥ يوليو ١٩٦٠م في «كرادة مريم» بمدينة بغداد بالعراق، استهلَّ تعليمه الابتدائي في بغداد، لكنه لم يستكمل دراسته بها؛ حيث استكملها بالموصل بعد انتقاله مع والده إليها، إلا أنه بعد سنواتٍ عاد مرةً أخرى إلى مدينة بغداد مع عائلته، وهناك أكمل تعليمه الثانوي في «كلية بغداد»، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية سافَر ثانيةً إلى الموصل ليلتحق بجامعتها في قسم الفيزياء، وذلك في عام ١٩٧٩م، وفي أغسطس ١٩٨٢م اعتُقل لنشاطه السياسي المُعارِض، وقضى بالسجن قرابةَ ٩ سنوات إلى أن أُطلِق سراحه في ديسمبر ١٩٩١م، وبعد الإفراج عنه بدأ دراسةَ اللغة الألمانية في كلية الآداب بجامعة بغداد، وبعد عام ٢٠١٠م حينما اعتزل العمل الحكومي في العراق، استأنف دراسته وتَخرَّج في كلية القانون والشريعة. وفي عام ٢٠١٣م، غادر «ناهض الهندي» العراق إلى العاصمة البريطانية حيث يواصل الإقامة هناك إلى الآن. غادر «ناهض الهندي» العراق في أواخر عام ١٩٩٥م، وتَنقَّل بين عددٍ من المدن العربية للإقامة والعمل فيها، فانتقل إلى عمان ودمشق وبيروت والقاهرة، وفي دمشق عمل بالتدريس في عدة معاهد، وعندما عاد إلى العراق في عام ٢٠٠٤م بعد إقامته لمدة ست سنوات في الدنمارك ابتداءً من عام ١٩٩٨م، شغل مناصبَ إعلاميةً إدارية بمحطةٍ تليفزيونية فضائية، وعمل أيضًا مستشارًا لأحد رؤساء الوزراء العراقيين السابقين. أما عن سِيرته العلمية، فقد شارَك «ناهض الهندي» في نشاطاتٍ إعلامية وسياسية عديدة، كما قدَّم عشرات المحاضرات في مواضيع التراث والدِّين، وله العديد من الأبحاث، منها: «مفهوم السُّنة في القرآن»، و«الدولة الدينية في الإسلام»، و«آليات مُواكَبة الفقه لتطوُّر المجتمع»، كما كتب العديد من المُؤلَّفات، نذكر منها الروايتَين «غربة البراءة» و«مَسارات ضالَّة».