«لكنَّ «ابن رشد» كان له ثلاث مسئوليات؛ فيلسوف وطبيب وقاضٍ، وهذه ثلاث مَهامَّ صعبة جدًّا. القاضي يحكم في مصائر الناس، والطبيب يُعالِج أجسادهم، والفيلسوف يُحاوِل أن يَنظُر لهذا كله. مسئوليةٌ باهظة، غير أن تكون فيلسوفًا فقط أو قاضيًا أو طبيبًا فقط. وهذا أرجَعني إلى مسئولية المُفكِّر. فتحُ باب الحوار مع الإنسان العادي يشغلني جدًّا جدًّا الآن.»على مدار عَقدَين كاملَين جمَع «جمال عمر» كلَّ ما كتبه أو قاله «نصر حامد أبو زيد»، سواء في الكتب أو اللقاءات، وصنَع مادةً وثائقيةً غنية بحياته وأفكاره ومنهجه. وطوالَ هذين العَقدَين ظلَّ يُراوِده سؤالٌ مُلِح: إذا قرَّر «أبو زيد» كتابةَ سيرته الذاتية، فما الذي سيَكتبه؟ أيَّ حياة سيُسطِّرها؟ وفي عام ٢٠١٠م بدأ «جمال عمر» في كتابة سيرة «أبو زيد» مُستعينًا بكل ما جمَعه، ومانحًا خيالَه فرصةَ أن يَرسُم صورةً حيَّة عن هذا المُفكِّر، مزَج فيها بين حياته الشخصية وأفكاره، واقترَب فيها من «أبو زيد» الإنسان والمُفكِّر؛ فجاءت السيرة نصًّا أدبيًّا بديعًا، مليئًا بالتفاصيل ومُفعَمًا بالحياة. استطاع «جمال عمر» أن يَخرُج من ذاته مُتقمِّصًا شخصيةَ «أبو زيد»، ومُعايِشًا حالتَه النفسية والفكرية وأطوارَ حياته المُتعدِّدة، وقدَّم للقارئ حياةً إنسانيةً جديرة بالتوثيق.
جمال عمر: كاتب وباحث مصري، وُلد في ٢٠ نوفمبر ١٩٧٠م، في قرية بطا بمركز بنها بمحافظة القليوبية. تَدرَّج في التعليم العام حتى تَخرَّج في كلية التربية بجامعة بنها، وقد الْتَحق بعد ذلك بكلية الآداب لدراسة الفلسفة، وذلك أثناء عمله معلمًا لمدة عامٍ واحد، وفي عام ١٩٩٧م ترك مصر وانتقل للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية. عمل «جمال عمر» منذ عام ١٩٩١م على جمعِ فكرِ الكاتب الراحل «نصر أبو زيد» وتراثِه وتسجيلاته، وقد تعاون معه في عدة أبحاث منذ عام ٢٠٠٧م، وأنشأ معه مُدوَّنة «رواق نصر أبو زيد» عام ٢٠٠٩م، واستمرت المُدوَّنة حتى وفاة «نصر أبو زيد» عام ٢٠١٠م، ومن خلال هذا التعاون استطاع «جمال عمر» تأسيسَ أرشيفٍ كبير جمَع فيه عددًا كبيرًا من كتابات «نصر أبو زيد» وتسجيلاته. أما عن مُؤلَّفاته، فنذكر منها: «مهاجر غير شرعي»، و«تغريبة»، و«مقدمة عن توتر القرآن»، و«مدرسة القاهرة في نقد التراث والأشعرية»، و«الخطاب العربي في متاهات التراث» بالإضافة إلى إعداد ودراسة لكتاب «الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن» للكاتب «محمد أبو زيد الدمنهوري» بعد مصادرته لأكثر من قرن من الزمان.