«إن ستَّ عشرةَ سنة قضاها ابن طولون في تأسيس دولته قد يَقضي الطُّغاةُ في الحكم مِثلَها وضِعفها، ولا يقوم لهم عمل، ولا يتم لهم مشروع، أمَّا هو فقضى في آخِر العَقد الخامس من عمره محقِّقًا الآمالَ بإصلاحاتٍ كثيرة فعُدَّت من بنات أفكاره، كعنايته بوضع الأضابير والجزازات والتقاييد.»استَحقَّ «أحمد بن طولون»، مؤسِّس الدولة الطولونية في مصر، أن تُخلَّد سيرتُه في ذاكرة التاريخ، فلا نَزالُ نَذكُره حتى الآن بمسجده الشهير الذي يتَّسم بروعة البناء المعماري الفريد، باقيًا على حالتِه الأصلية، شاهِدًا على عظَمةِ دولته ومَبلغِ حضارتها التي ملأَت أصداؤها الآفاق. إنه «أحمد بن طولون» الذي نجح بجدارته وقُدرته الحربية أن ينقلَ مصر (بعد أن أُسنِدَت إليه ولايتُها) من ولايةٍ تابعة للخلافة العباسية، إلى دولةٍ مستقلة تَنعَم بالاستقلال في شتَّى مَناحي الحياة، ظلَّ يحكُمها هو وخلفاؤه لسنواتٍ عديدة. وفي هذا الكتاب التاريخي المهم يؤرِّخ لنا «أبو عبد الله بن محمد المديني البلوي» بإسهابٍ سيرةَ «أحمد بن طولون»؛ فيُحدِّثنا عن مولده وظروف نشأته والأسباب التي أودَت بحياته، كما يُدوِّن ما دار في فترةِ حُكمه من أحداثٍ مهمة، ولا سيَّما علاقته بابنه «العباس» التي يَرويها لنا بأسانيدها، ويتناولها بالنقد والتحليل.
أبو محمد عبد الله بن محمد المديني البلوي: فقيه وإمام ومؤرِّخ مصري، وأحد أعلام المذهب الإسماعيلي، عاش في العصر العباسي. وُلد «أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمير بن محفوظ المديني البلوي المصري» في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، وينتمي إلى قبيلة «بَلِي»، وهي فرع من «قضاعة» وينتهي نسبها إلى «قحطان»، وتقع قبيلته على الأرجح ما بين مصر والشام، ولكنه نشأ وترعرع في مصر بعدما هاجَر إليها أجدادُه. ألَّف العديدَ من الكتب عن الإسماعيلية، ومن أشهر مؤلَّفاته: «الأبواب»، و«المعرفة»، و«الدين وفرائضه»، و«رحلة الشافعي».