بينما كانتْ أوروبَّا تستقبلُ «عصرَ النهضة»، كانَ العالَمُ الإسلاميُّ يدخلُ في سُباتٍ عميقٍ مِنَ الجهلِ والفقرِ والتخلُّف، ولم يَتبقَّ إلا بَصيصٌ مِنَ النورِ يَبثُّه بعضُ المُصلِحين، كلٌّ في محيطِه المعرِفيِّ والجغرافي؛ ففي الهندِ عندَما حاوَلَ السلطانُ «أكبرُ» الخروجَ عن الإيمانِ القويمِ — بدعوتِه لما يُسمَّى ﺑ «دينٍ إلهيٍّ» والذي يَحملُ في طيَّاتِه خروجًا على أسسِ الإسلام — تَصدَّى له «أحمد سرهندي» مجدِّدُ الألفِ الثانية، ومِن بعدِه «شاه ولي الله الدِّهلويُّ» الذي جابَهَ ظاهرةَ التشيُّعِ المتفشِّي في المجتمَعِ الهندي. ولم يكُنْ حالُ شبهِ الجزيرةِ العربيةِ بأفضلَ مِن حالِ الهند؛ حيث انتشرَتْ فيها البِدعُ والخرافات، وأدرَكَ المُصلِحُ «محمدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ» أنه لن يتمكَّنَ وحدَه من التصدِّي لها، فأَضْفى على دعوتِه مَسْحةً سياسيةً بتحالُفِه مع «محمدِ بنِ سُعود» أميرِ الدِّرعية. وفي مصرَ كانَ الرُّقودُ والجهلُ هما السِّمتَيْن الغالبتَيْن عليها إبَّانَ الحكمِ العثماني؛ لذا ظهَرَ مَن يَحملُ مِشعلَ الإصلاح؛ كأمثالِ الزَّبيديِّ والنابُلسيِّ وغيرِهما.
جمال الدين الشيال: رائدٌ مِن روَّادِ الدراساتِ التاريخية، وعَلَمٌ من أَعْلامِ الفِكرِ العربي. وُلِدَ جمال الدين الشيال في مدينةِ دمياط عامَ ١٩١١م، وحصلَ على درجةِ الليسانسِ في الآدابِ مِنَ الجامعةِ المصريةِ (جامعةِ القاهرةِ حاليًّا) عامَ ١٩٣٦م، ثم عُيِّنَ مُعيدًا بقسمِ التاريخِ في كليةِ الآدابِ بجامعةِ الإسكندريةِ عامَ ١٩٤٣م. نالَ درجةَ الماجستيرِ في التاريخِ بمرتبةِ الشرفِ الأُولى عن رِسالتِه «تاريخُ الترجمةِ في مِصرَ في النصفِ الأولِ مِنَ القرنِ التاسعَ عشَر»، وحصلَت هذه الدراسةُ على جائزةِ البحوثِ الأدبيةِ لعامِ ١٩٤٦م مِن مَجْمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرة. كما نالَ الشيالُ درجةَ الدكتوراه عن رسالتِه «ابنُ واصِلٍ وكِتابُه مُفرِّجِ الكُروبِ في أخبارِ بَني أيُّوب» في عامِ ١٩٤٨م. تدرَّجَ الشيالُ في السلكِ الجامعيِّ حتى أصبحَ أستاذًا للتاريخِ الإسلاميِّ بكليةِ الآداب، ثم عميدًا لها عامَ ١٩٦٥م، وكانَ قد انتُدِبَ في مارس ١٩٦٠م مستشارًا ثقافيًّا بالسفارةِ المِصْريةِ في الرباطِ لمدةِ أربعِ سنوات. سافَرَ إلى العديدِ مِنَ الدُّولِ العربيةِ والإسلاميةِ والأوروبيةِ للمشارَكةِ في العديدِ مِنَ المُؤتمراتِ والنَّدوات. ترَكَ لنا الشيالُ العديدَ مِنَ المُؤلَّفاتِ والأبحاثِ والدراساتِ الهامَّة، مِنْها: «أعلامُ الإسكندريةِ في العصرِ الإسلامي»، و«الحركاتُ الإصلاحيةُ ومراكزُ الثقافةِ في الشرقِ الإسلاميِّ الحديث»، و«التاريخُ والمؤرِّخونَ في مِصْرَ في القرنِ التاسِعَ عشَر»، كما حقَّقَ بعضَ الكتبِ التراثية، مِنْها «النوادِرُ السلطانيةُ والمحاسِنُ اليوسفيَّة» لبهاءِ الدينِ بن شداد. منحَتْه الدولةُ جائزةَ الدولةِ التشجيعيةَ في التاريخِ عامَ ١٩٥٨م، ووِسامَ العِلمِ مِنَ الدرجةِ الأولى؛ تقديرًا لمجهودِه في تحقيقِ كتابِ «مجموعةُ الوثائقِ الفاطميَّة». تُوفِّيَ الشيال عامَ ١٩٦٧م بعدَ أنْ قَضى أكثرَ من ثلاثينَ عامًا في خدمةِ الدِّراساتِ التاريخيةِ في العالَمِ العربي.