«لم تكن هناك وجهة نظرٍ واحدة لدى الطبقة الحاكمة العثمانية بشأن السياسة الإثنية الطائفية الداخلية، على أن معظم السلاطين كانوا يتبنَّون مع هذا مبدأَ التسامح النِّسبي تجاه غير المسلمين؛ إذ إن اقتصاد الدولة كان مُتوقِّفًا عليهم في واقع الأمر.»شهد القرن السادس عشر نزوحَ أعداد غفيرة من يهود أوروبا — نتيجةً للاضطهاد الذي تعرَّضوا له من قِبَل المسيحيِّين الأوروبيِّين في إسبانيا والبرتغال وصقلية — إلى ما عُرف آنذاك بالإمبراطورية العثمانية، التي شملت الشرق الأوسط والأناضول وشِبه جزية البلقان، وشكَّلوا بجانب اليهود المستقرين في هذه المناطق أقليةً كبيرةَ العدد نسبيًّا، لها اقتصادها ونظامها الديني والاجتماعي، وتخضع لحزمة من القوانين؛ بعضها فرضَته عليها السلطة العثمانية، وبعضها قوانين خاصة بالتعامل داخل الطائفة ذاتها. وقد جاء هذا الكتاب ليُلقي الضوء على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية لهذه الطائفة، وتفاعُلها مع الأحداث السياسية التي ماجَت فيها الإمبراطورية على مدار أربعة قرون، وقد اعتمدت المُؤلِّفة على الأرشيف العثماني الذي يَحوي تفاصيلَ كثيرة ومُهمة حول الجاليات اليهودية في البلاط العثماني، والمناطق الواقعة تحت نفوذه، وعلاقتهم بالسُّلطة بوصفهم أقليةً دينية وإثنية.
إيرما لفوفنا فادييفا: مؤرِّخة روسية متخصِّصة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية، وباحثة في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية. وُلدت في ١٩ أكتوبر ١٩٣٨م لعائلة عسكرية. التحقت بجامعة ليننجراد الحكومية وتخصَّصت في التاريخ التركي، وبعد تخرُّجها عملت مترجمةً خلال الفترة ١٩٦٣–١٩٧٣م في عِدة بلدان منها تونس، ثم عملت بعدها باحثةً في معهد الدراسات السلافية والبلقانية التابع لأكاديمية العلوم الروسية لمدة خمس سنوات حتى عام ١٩٧٨م، وفي نفس العام قدَّمت أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه عن موضوع «الإمبراطورية العثمانية بعد حرب القرم والعلاقات الأنجلو تركية في الخمسينيات والستينيات من القرن التاسع عشر»، وفي عام ١٩٩٠م حصلت على دكتوراه ثانية عن دراستها المهمة «العقائد الرسمية في أيديولوجيا وسياسة الإمبراطورية العثمانية من القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين»، التي صدرت عام ١٩٨٥م. كرَّست نشاطَها العلمي لدراسة تاريخ الإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر، ودورها في العلاقات الدولية وأيديولوجيتها ومذاهبها السياسية، كما درست خصوصيات الإسلام بوصفه أيديولوجيا في تركيا، بالإضافة إلى وضع المجتمعات العِرقية والدينية في الإمبراطورية العثمانية طوال تاريخها، وخاصةً المجتمعات اليهودية. تركت فيضًا زاخرًا من الدراسات العلمية التاريخية، من أبرزها: «الإمبراطورية العثمانية والعلاقات الأنجلو تركية في منتصف القرن التاسع عشر» (١٩٨٢م)، و«الاتجاهات الجديدة في سياسة الباب العالي في أوائل السبعينيات من القرن التاسع عشر» (١٩٨٤م)، و«الإمبراطورية العثمانية: مشاكل تاريخ ودراسات المصدر» (١٩٨٥م)، و«الصراع الأيديولوجي والسياسي حول الخلافة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر» (١٩٨٦م)، و«الإسلام والسياسة الثقافية للدوائر الحاكمة في تركيا في الستينيات والثمانينيات من القرن العشرين» (١٩٩٠م)، و«الإسلام والبنى الاجتماعية لدول الشرق الأدنى والأوسط» (١٩٩٠م)، و«من إمبراطورية إلى دولة قومية: أفكار عالم الاجتماع التركي ضياء كوك ألب في معرض استعادي للقرن العشرين» (٢٠٠١م)، و«مشاكل السياسة الخارجية التركية في أواخر القرن التاسع عشر–أوائل القرن الحادي والعشرين» (٢٠٠٩م). تُوفِّيت «فادييفا» في ١٤ سبتمبر ٢٠١٣م.