«نشأت الطبقة العاملة إذن في ظل المصانع والشركات الحديثة والمَرافق العامة التي أقامتها رءوسُ الأموال الأجنبية، بالإضافة إلى عمال السكك الحديدية؛ وهو المرفق الذي كان منذ نشأته حكوميًّا قحًّا. وتميَّزت أحوال العمال في تلك المؤسسات بأجورها المنخفضة، وساعات العمل الطويلة.»كان للانقلاب الصناعي في القرن الثامن عشر تأثيرٌ كبير على أوضاع العمال في العالَم أجمع؛ فقد اختفى نظام الطوائف الحِرفية، وأدى اختراع الآلات البخارية إلى الإقلال من شأن المجهود العضلي وتدنِّي مستوى الأجور، وحُشِر آلاف العمال في مناطق صناعية تفتقر إلى البيئة الصحية الملائمة؛ وهو ما أدى إلى ظهور التنظيمات النقابية العمالية للتأكيد على كِيان العامل الذي رفض الاستسلامَ للأوضاع الجديدة التي كادت تسلبه حريته وكرامته. ومن أبرز هذه التنظيمات «الحركة العمالية المصرية»، التي شَهِدت تأسيس أول نقابة عمالية عام ١٨٩٩م، وكان لهذه الحركة نشاط كبير في البناء الاقتصادي والاجتماعي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهو ما استطاع رصْدَه هذا الكتاب، كما رصَد تطوُّر الحركة على المستوى النقابي والمهني والاجتماعي خلال هذه الفترة.
رءوف عباس: أحد أبرز المؤرِّخين المصريين في العصر الحديث، وهو صاحب مدرسة في التاريخ الاجتماعي، تخرَّج فيها العديد من الباحثين الذين تميَّزوا في هذا المجال وساهَموا في نشره في اليابان وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. وُلد «رءوف عباس حامد» في عام ١٩٣٩م بمحافظة بورسعيد، ولكنه انتقل للعيش مع جَدته في القاهرة عام ١٩٤٣م. تلقَّى تعليمه الأوَّلي في أحد الكتاتيب بالقاهرة، فدرس فيه القراءة والكتابة والحساب وحَفِظ القرآن الكريم، ثم استكمل مراحل تعليمه الأساسي بإحدى مدارس حي شبرا، وبعد أن حصل على الثانوية التحق بكلية الآداب جامعة عين شمس وتخصَّص في دراسة التاريخ، وحصل منها على درجة الليسانس عام ١٩٦١م، كما حصل على درجة الماجستير من الجامعة نفسها عام ١٩٦٦م، ودرجة الدكتوراه في عام ١٩٧١م. عُيِّن معيدًا بقسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم تدرَّج في السلك الأكاديمي إلى أن وصل إلى درجة أستاذ بالقسم وتولَّى رئاسته، كما كان أستاذًا زائرًا في أكثر من جامعة، منها: طوكيو، وقطر، والإمارات، والسوربون، وكاليفورنيا وغيرها، وتولَّى رئاسة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية عام ١٩٩٩م، وظل بهذا المنصب حتى وفاته. كانت له مشاركاتٌ فعَّالة في العديد من المؤتمرات العلمية المحلية والدولية، وقد تولَّى رئاسةَ عدد من اللجان العلمية، ومنها: اللجنة العلمية لدار الوثائق القومية، ووحدة الدراسات التاريخية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة «الأهرام»، كما رأَسَ تحرير مجلة «الروزنامة» السنوية التي كانت تَصدُر عن دار الوثائق القومية. أَثرى المكتبةَ المصرية بالعديد من المؤلَّفات التاريخية المُتميِّزة، باللغتَين العربية والإنجليزية، هذا فضلًا عن أعماله المترجَمة وأعمالٍ شارَك في تحريرها، ومن أبرز أعماله: «جماعة النهضة القومية»، و«جامعة القاهرة .. ماضيها وحاضرها»، و«شخصيات مصرية في عيونٍ أمريكية». أمَّا ترجماته، فمنها: «يوميات هيروشيما»، و«اللورد كرومر»، و«دراسات في تطوُّر الرأسمالية»، و«توجهات بريطانية-شرقية». حصَل بفضل نشاطه العلمي على وِسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولى عام ١٩٨٣م، كما حصَل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام ٢٠٠٠م. تُوفِّي «رءوف عباس» عام ٢٠٠٨م، بعد مَسيرةٍ حافلة بالعطاء الفكري والإنتاج العلمي.