«صاحت الفتاة أخيرًا في فزعٍ تقول: «إلى أين تحملني؟» فأجابها الثور في صوتٍ إلهيٍّ عميقٍ يأمرها بالشجاعة والجرأة. قال: «انظري، إنني جوبيتر، اضطرني حبُّك إلى أن أتخذَ هذه الهيئة، وسرعان ما ستستقبلنا كريت لتكون حُجرة عرسنا؛ كريت التي وُلِدتُ فيها أنا نفسي».» إن الأسطورة هي حِصنُ الإنسان القديم أمام الطبيعة، ولُغتُه وأداتُه العلمية العتيقة في تفسيرها، فبها تَحصَّن من مَخاوفه، وإليها أوَى من ظُلمات هذا الكون الفسيح. وإذا كنا ننظر اليومَ إلى الأساطير بتفكيرٍ علميٍّ ناقد، ونُخضِعها للمنطق والعقل، فيجب ألَّا ننسى أنَّ تَمسُّك الإنسان القديم بها هو تَمسُّكٌ بأصالة الفكر؛ لذا لم تَخلُ حضارةٌ من الأساطير؛ فالحضارةُ اليونانية ومِن بعدها الرومانيةُ قامتا على الأسطورة، بل إن ميلادَ روما نفسَه كان أسطورة، ومجيء الآلهة إلى الأرض أسطورة، كل شيء كان في البدء أسطورة؛ لذا عندما هَوَت الحضارة اليونانية تحت أقدام الجيش الروماني، وسقطَت روما من بعدها تحت وطأةِ الغزو الجرماني، بقيت الأسطورةُ ولم تسقط، وظلَّت خالدةً تُردِّدها الألسنة وتتداولها الأقلام.
أمين سلامة: مُترجِم وكاتب مصري، وُلد عام ١٩٢١م بالخرطوم في السودان. ترعرع في أسرةٍ تهوى العلم، وتهتم بالدراسة الأكاديمية العلمية، بينما وجَّه هو اهتمامَه إلى الدراسة الأكاديمية الأدبية. تَخرَّج «أمين سلامة» في قسم الدراسات القديمة بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وذلك في عام ١٩٤٣م، وفي عام ١٩٤٧م حصل على شهادة الماجستير في الآداب اليونانية واللاتينية. شغل العديد من الوظائف الإدارية والعلمية؛ ففي بداية عمله كان أمينًا لغرفة النقود بالمكتبة العامة بجامعة القاهرة، ثم انتُدب للعمل بتدريس اللغة اللاتينية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، كما كان أمينًا بقسم الجغرافيا بجامعة القاهرة حتى عام ١٩٥٤م. كذلك عمل بتدريس اللغة الإنجليزية من عام ١٩٥٥ حتى عام ١٩٥٨م، وذلك عقب التِحاقه بخدمة الحكومة السودانية، وفور انتهاء خدمته عمل مُدرسًا للغة الإنجليزية بالمدارس الأجنبية بالقاهرة، وذلك عام ١٩٦١م، كما عمل بالتدريس الأكاديمي بالجامعة الأمريكية في مصر، وبجامعات أمريكا وكندا. كان «أمين سلامة» مولعًا بدراسة التاريخ اليوناني والروماني، وكان يحب السفر كل عام إلى اليونان للبحث في مكتباتها عن المخطوطات النادرة، واستطاع عبر سنوات حياته العلمية الاطِّلاع على أمهات الكتب اليونانية والرومانية وعلى أروع ما أنتجَته هاتان الحضارتان العظيمتان من أعمالٍ مسرحية وتراجيدية وفلسفية مهمة، وقد أتقن ترجمة هذه الأعمال من لُغتها الأصلية، سواءٌ اليونانية القديمة أو اللاتينية، ومن اللغة الإنجليزية أيضًا، إلى اللغة العربية، إلى جانب تأليفه للكثير من الأعمال المهمة. أما عن أعماله المترجمة فنذكر منها: «الإلياذة»، و«الأوديسة»، و«الأساطير اليونانية والرومانية». وأما عن مؤلفاته فنذكر منها: «الذات واللذات»، و«اليونان وشاهد عيان»، و«حياتي في رحلاتي». تُوفِّي «أمين سلامة» عام ١٩٩٨م بمحافظة القاهرة، تاركًا إرثًا علميًّا كبيرًا من المؤلفات والترجمات التي تُثري وتُعزِّز مكتباتنا وثقافتنا العربية.