شَهدَت مصرُ عقبَ خروجِ الفَرنسيِّين منها عامَ ١٨٠١م فوضى سياسيةً عارمةً تَجلَّت في التنافُسِ الشَّرسِ الذي احتدمَ بين فرنسا وإنجلترا والدولةِ العثمانيةِ والبكواتِ المماليك؛ لأجلِ بَسطِ نفوذِهم عليها، واستمرَّت هذه الفوضى قائمةً حتى تمكَّنَ «محمد علي» من تَولِّي مقاليدِ الحُكمِ إثرَ مبايَعةِ أعيانِ الشعبِ له واليًا على مِصرَ عامَ ١٨٠٥م. ومنذُ تلك اللحظة، ولأجلِ توطيدِ دعائمِ حُكمِه والبقاءِ في رأسِ السُّلطة، خاضَ «محمد علي» العديدَ من الحروبِ الداخليةِ والخارجية؛ حيث نجحَ بمشاركةِ المِصريِّين في التصدِّي لحملةِ «فريزر» عامَ ١٨٠٧م، ومن ثَمَّ إجلاءُ الإنجليزِ عن مِصر. بعدَها قامَ بالتخلُّصِ من عددٍ من الزعماءِ الشعبيِّين، وعلى رأسِهم السيدُ «عمر مَكرم» نقيبُ الأشراف؛ حيث نفاه عامَ ١٨٠٩م، وقضى على المماليكِ آخِرِ مُنافِسيه بالداخلِ في مَذبحةِ القلعةِ الشهيرةِ عامَ ١٨١١م.
محمد فؤاد شكري: مُؤرخٌ مِصري، اتَّسمَت دراساتُه باعتمادِها على المعلوماتِ الدقيقةِ والموثوقِ فيها؛ ممَّا أضفى عليها قِيمةً تاريخيةً كبيرة. واهتمَّ كثيرًا بالدراساتِ التاريخيةِ التي تَخدمُ القضايا الوطنيةَ والقوميةَ العربية، وكذلك القضايا القومية في أوروبا. الْتحقَ بدارِ المُعلمينَ العُليا وتخرَّجَ فيها عامَ ١٩٢٧م، وحصلَ على درجةِ الماجستيرِ في التاريخِ الحديثِ من جامعةِ ليفربول عامَ ١٩٣١م، ونالَ درجةَ الدكتوراه من الجامعةِ نفسِها عامَ ١٩٣٥م عن موضوع «إسماعيل والرقيق في السودان». عملَ في التدريسِ بكليةِ الآدابِ جامعةِ القاهرةِ لِمَا يَقرُبُ من رُبعِ قرن، بالإضافةِ إلى انتدابِه مُفتِّشًا للتعليمِ الثانويِّ بوزارةِ المعارفِ عامَ ١٩٤١م. وبسببِ كتاباتِه وآرائِه التاريخيةِ القَيِّمة، اعتمدَ عليه الوفدُ المِصريُّ في الأممِ المتحدةِ عندما عُرِضت القضيةُ المِصريةُ السودانيةُ على مجلسِ الأمنِ عامَ ١٩٤٧م، كذلك اعتمدَت ليبيا كثيرًا على أوراقِه التي دافَعَ فيها عن قضيتِها ببسالة، وطالَبَ بضرورةِ حصولِها على الاستقلالِ والتمتُّعِ بالوَحدة، وكانت نتيجةُ ذلك أنْ قامَت السُّلطاتُ البريطانيةُ بطَردِه من ليبيا عامَ ١٩٥١م. له العديدُ من المُؤلَّفات، منها: «مصر والسودان: تاريخ وَحدة وادي النيل السياسية ١٨٢٠–١٨٩٩م»، و«الحُكم المصري في السودان»، و«السنوسية دين ودولة»، و«ميلاد دولة ليبيا الحديثة: وثائقُ تحريرها واستقلالها»، و«الحملة الفرنسية وخروج الفرنسيين من مصر»، و«الصراع بين البورجوازية والإقطاع ١٧٨٩م–١٨٤٨م»، و«عبد الله جاك مينو»، و«مصر والسيادة على السودان: الوضع التاريخي للمسألة»، و«ألمانيا النازية». رحلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩٦٣م، إثرَ إصابتِه بمرضٍ خطيرٍ ظلَّ يُصارِعُه لأكثرَ من ثلاثِ سنوات.