يَعرض «أسد رستم» في هذا الكتاب رحلةَ اكتشاف مخطوطات «قُمران» التي تُعَد من أهمِّ مخطوطاتِ العهد القديم وأقدمِها؛ حيث يرجع تاريخُها إلى القرن الثاني قبل الميلاد. كُتِبت هذه المخطوطات بالعِبرية والآرامية واليونانية، وحُفِظت داخل جِرارٍ فَخَّارية لحمايتها من التلف، واكتُشِفت عام ١٩٤٧م على يدِ بدويٍّ رحَّال، كان يبحث عن شاتِه الضالة في صحراء «قُمران». وتُعَد هذه المخطوطاتُ قيِّمةً علميًّا وتاريخيًّا؛ لما تَحْويه من قُصاصاتٍ مُتفرِّقة مُتعلِّقة بأسفار العهد القديم، ونسخةٍ مُفصَّلة من آداب السلوك التي تعود في أغلب الآراء إلى «طائفة الأسينيين»؛ وهي إحدى الطوائف اليهودية التي عاشت طويلًا في كهوفٍ بوادي «قُمران» المطل على شواطئ البحر الميت، وكانت أكثرَ الطوائف اليهودية تَطهُّرًا؛ حيث نأَتْ بنفسها عن كل مَلذَّات الدنيا ومَطامِعها وشهواتها، في انتظار الخلاص القريب بظهور المسيح الموعود.
أسد رستم: مُؤرِّخٌ لبنانيٌّ عظيمُ الأَثر، يُعَدُّ رائِدَ عِلمِ التوثيقِ في المَشْرقِ العَربي، ومِن أبرزِ مَن وَضَعوا المَنْهجيةَ العِلْميةَ في كتابةِ التاريخِ باللغةِ العربيةِ دُونَ الخُضوعِ لتحيُّزاتٍ مُسبقة، كَما أنَّه أولُ مَن حصَلَ على لَقبِ «دكتور في التارِيخ» في العالَمِ العَربيِّ مِن جامِعةِ شيكاجو. وُلِدَ «أسد جبرائيل رستم مجاعص» بقَريةِ شوير في لبنان عامَ ١٨٩٦م، درَسَ بالمدرسةِ الإنجليزيةِ بالقَرْيةِ ذاتِها ثُمَّ الْتَحقَ بالكليةِ الشرقيةِ بمدينةِ زحلةَ في مُحافظةِ البقاعِ اللبنانيَّة، وكانَتْ بمَثابةِ تَعليمٍ إعدادِي، عادَ بعدَها إلى شوير وأكمَلَ دراستَه بالمدرسةِ العاليةِ ونالَ شَهادةَ البكالوريا عامَ ١٩١١م. في عامِ ١٩١٦م الْتَحقَ «أسد رستم» بالجامعةِ الأمريكيةِ ببيروت، ليَحصلَ على شَهادةِ البكالوريوس في مَجالِ التاريخِ الذي استكمَلَ الدراسةَ فيه حتى حصَلَ على لقبِ أستاذٍ في التاريخِ عامَ ١٩١٩م، ولنبوغِه مُنِحَ بعثةً إلى جامعةِ شيكاجو بالولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ لدراسةِ تاريخِ الشرقِ القديم، عادَ مِنها إلى بيروتَ مرةً أخرى بعدَ حصولِه على الدكتوراه في المَجالِ ذاتِه، ليقومَ بتدريسِ التاريخِ في كليةِ الآدابِ بالجامعةِ الأمريكية. وبعدَ أنْ أمضى عِشْرينَ عامًا في تدريسِ التاريخِ تَركَ الجامعةَ ليَعملَ مُستشارًا في السِّفارةِ الأمريكيةِ ببيروت، ثم مُستشارًا لقيادةِ الجيشِ اللبناني. وقد تخصَّصَ في الكتابةِ عن تاريخِ الشرقِ القديم، وقامَ بنشْرِ مُجلَّدَينِ تحتَ اسمِ «الرُّوم في سِياستِهم وحضارتِهم ودِينِهم وثقافتِهم وصِلاتِهم بالعَرب» عامَ ١٩٥٥م. كما ألَّفَ كتابًا مُفصَّلًا في ثلاثةِ أجزاءٍ لتاريخِ الكنيسةِ الشرقيةِ التابعِ لَها الرومُ الأرثوذكس تحتَ اسمِ «تاريخ كنيسةِ مدينةِ أنطاكية العُظْمى»، نُشِرَ عامَ ١٩٥٨م، وكُرِّمَ على إِثْرِه بلقبِ «مُؤرِّخ الكُرسِي الأنطاكي»، ثم كرَّمتْه دولةُ لبنان بجائزةِ رئيسِ الجمهوريةِ اللبنانيةِ عامَ ١٩٦٤م. وقد أثبَتَ «أسد رستم» أنه يَختلفُ عَن أبناءِ جيلِه مِنَ المؤرِّخين، وحتى عنِ الأَجْيالِ السابِقةِ عليه، بأُسْلوبِه العِلميِّ الذي اتَّبعَه في كِتابةِ التاريخِ دُونَ دمجٍ للأهواءِ في التَّأْريخ، وفي البحثِ والتنقيبِ عَنِ المعلوماتِ بشكلٍ دَقِيق؛ فحصَلَ على وِسامِ المَعارفِ المِصْريِّ ووِسامِ الاستحقاقِ السُّوري. في عامِ ١٩٦٥م تُوفِّيَ «أسد رستم» مُخلِّفًا مكتبةً تاريخيةً نادرةً وأسلوبًا في التأريخِ يُحتذَى به، وقد مُنِحَ بعدَ وفاتِه وِسامَ الاستحقاقِ اللبناني المُذهَّب.