«سمَّاها بهذا الاسم عُقبة بن نافع الصحابيُّ الشهير، عندما اختطَّها سنة ٥٠ﻫ، كما سيأتي ذلك في محلِّه، وكانت قبل الفتح أرضَ نباتٍ غير مأهولة، ولفظُ القيروان في اللغة: مَوضِع القافلة، وقيل: الجيش، والمعنى مُتقارِب.»مدينةٌ ساحرة تُعَد مِن أروع شواهد العمارة الإسلامية في المغرب العربي، يعود تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي حينما اختارها وبنى أثرَها «عُقبة بن نافع»، الذي لم يكن ليَعلم المكانةَ التي ستصل إليها مدينته الأثيرة؛ حيث صارت رِباطًا لجيوش المسلمين، ومركزًا لعلومهم وفنونهم سَبَق «قرطبة» و«الأندلس». مدينة كان لها دورٌ استراتيجي مهم على مدار عقود، بها مقابرُ ثُلَّة من أفاضل العرب وشيوخهم وصحابة النبي الكريم «محمد»؛ أرضها تاريخٌ أثري مَرئي، يَحكي سيرةَ مَن أقاموا بها وما شيَّدوه مِن مَعالم ومعاهد ومساجد، وما عاصَروه مِن سِلم وحرب. يُلخِّص «صالح سويسي القيرواني» في دليل مُبسَّط بعضًا من أخبار تلك المدينة التونسية العريقة التي يَتبرَّك أهلها بما تَغزِله شوارعُها ومَبانيها من حكايات التاريخ؛ فيَعرض أهمَّ مَعالمها، وسِيَر بعضِ مَن عاشوا فيها.
صالح بن عمر سويسي: أحد روَّاد الأدب والإصلاح بالمغرب العربي في أوائل القرن العشرين، فهو أول من كتب القصة والرواية بتونس؛ واستطاع برغم رقة حالة أن يُسخِّر قلمه لخدمة ما آمن به من القضايا، فكان من أوائل من طرقوا الموضوعات الاجتماعية والوطنية من أدباء وطنه، برغم أنه عاش في عصر وُصف بالجمود الفكري. ولد عام ١٨٧١م بمدينة «القيروان» التي اعتز بها وحرض على اقتران اسمه باسمها؛ وقضى جزءًا من طفولته بحاضرة «تونس» بعد انتقال والده إليها عام ١٨٧٦م، وهو يعد نفسه من الأشراف لاتصال نسبه ﺑ «علي العواني الشريف الحسيني»، كما أورد في كتابه «دليل القيروان». اختبر اليُتم مبكرًا، حيث توفي والده وهو في الخامسة عشرة، ولم يتلقَّ تعليمًا منتظمًا، بل أقام على قراءة الكتب والمجلات والدواوين الشعرية حتى تكونت له ملكة أدبية وشغف بالكتابة، فبدأ بنظم الشعر، وراسل عدة صحف شرقية وتونسية بأشعاره فتكسَّب القليل منها؛ انقطع للأدب والكتابة ولم يمارس أي مهنة أخرى، فلم يُعرف عنه سوى أنه شاعر. تأثر «صالح سويسي» بالحركة السلفية لكل من «جمال الدين الأفغاني» و«محمد عبده» وشيخ مدينته «محمد النخلي القيرواني»؛ فآمن بأن علماء السلف لم يشدِّدوا في الدين بل كانوا حريصين على مصالح الناس، وكان له منزع إصلاح لا يخلو من الجرأة، مما أدى إلى نفيه إلى مدينة «توزر» بالجنوب التونسي عام ١٨٩٧م لثلاثة أشهر، أمضى بعدها فترة في «مصر» لينهل من العلوم والمعارف. ويُعتبر رائد القصة بتونس، إذ إن قصته «الهيفاء وسراج الليل» التي نشرها عام ١٩٠٦م، كانت أول قصة يؤلفها كاتب تونسي، وبالرغم من أنها ظلت مبتورة ولم تتم أحداثها، إلا أنها نالت مكانة هامة في تاريخ القصة، وأعيد نشرها في عدة طبعات كان آخرها عام ١٩٧٨م عن الدار العربية للكتاب؛ كما له رواية «الصفاء»، والذي اعتُبر بعد كتابتها أول واضع للرواية في الأدب التونسي، وحازت على مكانة هامة كذلك. وتوفي «صالح سويسي» عام ١٩٤٤م بمدينته «القيروان»، تاركًا سيرة حسنة للأديب الذي لم يطرق باب الأمراء لجاه، ولم يتقرب لذوي النفوذ، بل عاش زاهدًا مُخلصًا لأدبه وقضايا وطنه.